الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: مَصرِفُ الفَيءِ بَعدَ زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


الفَيءُ بَعدَ زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصرَفُ في مَصالِحِ المُسلِمينَ العامَّةِ الأَولى فالأَولى، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [333] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/ 229). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 116). ، والمالِكيَّةِ [334] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 190). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/ 129). ، والحَنابِلةِ [335] ((الفروع)) لابن مفلح (10/ 359)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 198). ، وقَولٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [336] ((روضة الطالبين)) للنووي (6/ 354،355). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قال الله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر: 7] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ جَعَلَ الفَيءَ عائِدًا على الكافَّةِ؛ فيَنبَغي أن يُصرَفَ في هذه الوُجوهِ التي ذَكَرَها [337] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/ 229). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((كانَت أموالُ بَني النَّضيرِ مِمَّا أفاءَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ على رَسولِه مِمَّا لم يوجِفْ عليه المُسلِمونَ بخَيلٍ ولا رِكابٍ، فكانَت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّةً، فكان يُنفِقُ على أهلِه نَفَقةَ سَنةٍ، وما بَقيَ يَجعَلُه في الكُراعِ والسِّلاحِ عُدَّةً في سَبيلِ اللهِ)) [338] أخرجه البخاري (2904)، ومسلم (1757) واللفظ له. .
ثالثًا: من الآثارِ
عن مالِكِ بنِ أوسِ بنِ الحَدَثانِ، عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه في قِصَّةٍ ذَكَرَها، قال: (ثُمَّ تَلا: إنَّما الصَّدَقاتُ للفُقَراءِ والمَساكينِ إلى آخِرِ الآيةِ [التَّوبة: 60] . فقال: هذه لهؤلاء، ثُمَّ تَلا: واعلَموا أنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فأنَّ للَّهِ خُمُسَه وللرَّسولِ إلى آخِرِ الآيةِ [الأنفال: 41] . ثُمَّ قال: هذا لهؤلاء. ثُمَّ تَلا: ما أفاءَ اللهُ على رَسولِه مِن أهلِ القُرى إلى آخِرِ الآيةِ. ثُمَّ قَرَأ: للفُقَراءِ المُهاجِرينَ إلى آخِرِ الآيةِ. ثُمَّ قال: هؤلاء المُهاجِرونَ. ثُمَّ تَلا: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ إلى آخِرِ الآيةِ. فقال: هؤلاء الأنصارُ. قال: وقال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ إلى آخِرِ الآيةِ. قال: فهذه استَوعَبَتِ النَّاسَ، فلَم يَبقَ أحَدٌ مِنَ المُسلِمينَ إلَّا ولَه في هذا المالِ حَقٌّ، إلَّا ما تَملِكونَ مِن رَقيقِكُم، فإن أعِشْ إن شاءَ اللهُ لم يَبقَ أحَدٌ مِنَ المُسلِمينَ إلَّا سَيَأتيه حَقُّه، حَتَّى الرَّاعي بسَروِ حِميَرَ يَأتيه حَقُّه، ولَم يَعرَقْ فيه جَبينُهـ) [339] أخرجه عبد الرزاق (20040)، والبيهقي (13135) واللفظ له، والبغوي في ((شرح السنة)) (2740). صَحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1245)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (2740). .
وفي لَفظٍ: (فاستَوعَبَت هذه الآيةُ النَّاسَ، فلَم يَبقَ أحَدٌ مِنَ المُسلِمينَ إلَّا لَه في هذا المالِ حَقٌّ، أو قال: حَظٌّ، إلَّا بَعضَ مَن تَملِكونَ مِن أرِقَّائِكُم، ولَئِن عِشتُ إن شاءَ اللهُ لَيَأتيَنَّ على كُلِّ مُسلِمٍ حَقُّه، أو قال: حَظُّهـ) [340] أخرجه أبو داود (2966)، والنسائي (4148) واللفظ له. صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4148)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2966). .

انظر أيضا: