الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: هَل يُخَمَّسُ الفَيءُ؟


الفَيءُ لا يُخَمَّسُ، بَل يُصرَفُ في المَصالِحِ العامَّةِ للمُسلِمينَ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [276] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 116). ، والمالِكيَّةِ [277] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 190). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/ 129). ، والحَنابِلةِ [278] ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (2/ 231)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 650). ، والشَّافِعيِّ في القَديمِ [279] ((روضة الطالبين)) للنووي (6/ 354). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قال اللهُ تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [الحشر: 6] ، إلى قَولِه تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر: 10]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ سُبحانَه جَعَلَ هذا المالَ مِمَّا أفاءَ به على رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا مِن فَيءِ أحَدٍ مِنَ المُقاتِلينَ؛ لأنَّه مِمَّا أخَذَه بتَسَلُّطِه عليهم، كما يَتَسَلَّطُ الغانِمونَ على عَدوِّهم [280] ((تيسير البيان لأحكام القرآن)) لابن نور الدين (4/ 218،219). ، فهذا يَدُلُّ على أنَّ الفَيءَ لا يَختَصُّ به المُجاهِدونَ دونَ غَيرِهم مِنَ المُسلِمينَ [281] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/ 229)، ((التجريد)) للقدوري (8/ 4108)، ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/ 939). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((كانَت أموالُ بَني النَّضيرِ مِمَّا أفاءَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ على رَسولِه مِمَّا لم يوجِفْ عليه المُسلِمونَ بخَيلٍ ولا رِكابٍ، فكانَت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّةً، فكان يُنفِقُ على أهلِه نَفَقةَ سَنةٍ، وما بَقيَ يَجعَلُه في الكُراعِ والسِّلاحِ عُدَّةً في سَبيلِ اللهِ)) [282] أخرجه البخاري (2904)، ومسلم (1757) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على أنَّ أموالَ بَني النَّضيرِ لم تُقسَمْ قِسمةَ الغَنائِمِ؛ لكَونِها مِمَّا أفاءَ اللهُ به على رَسولِه مِمَّا لم يوجِفْ عليه المُسلِمونَ بخَيلٍ ولا رِكابٍ [283] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (6/ 76). .
ثالثًا: من الآثارِ
1- عن مالِكِ بنِ أوسِ بنِ الحَدَثانِ، قال: (كان عُمَرُ يَحلِفُ على أيمانٍ ثَلاثٍ، يَقولُ: واللهِ ما أحَدٌ أحَقَّ بهذا المالِ مِن أحَدٍ، وما أنا بأحَقَّ به مِن أحَدٍ، واللهِ ما مِن المُسلِمينَ أحَدٌ إلَّا ولَه في هذا المالِ نَصيبٌ إلَّا عَبدًا مَملوكًا...) [284] أخرجه من طرقٍ: أبو داود (2950)، وأحمد (292) واللفظ له. حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2950)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2950)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/149). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه جَعَلَ الفَيءَ لعُمومِ المُسلِمينَ وليس لبَعضِهم، وكان ذلك بمَحضَرٍ مِنَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم، واتَّفَقوا مَعَه على ذلك [285] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/ 229)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 650). .
رابعًا: لأنَّ الفَيءَ عِبارةٌ عنِ الرُّجوعِ، وهو ما وصَلَ إلَينا بغَيرِ فِعلٍ مِنَّا، وهذا يَنفي أن يَكونَ الفَيءُ يُخَمَّسُ؛ لرُجوعِه إلى المُسلِمينَ [286] ((التجريد)) للقدوري (8/ 4108). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 116). .

انظر أيضا: