الموسوعة الفقهية

الفَصلُ الأوَّلُ: أسبابُ الميراثِ


الأسبابُ المُتَوارَثُ بها: القَرابةُ [64] وهي كُلُّ صِلةٍ سَبَبُها الوِلادةُ، وتَشمَلُ فُروعَ المَيِّتِ وأُصولَه وفُروعَ أُصولِه، سَواءٌ أكانَ الإرثُ بالفَرضِ فقَط كالأُمِّ، أم بالفَرضِ مَعَ التَّعصيبِ كالأبِ، أم بالتَّعصيبِ فقَط كالأخِ، أم بالرَّحِمِ كذَوي الأرحامِ، مِثلِ العَمِّ لأُمٍّ.       ، والزَّوجيَّةُ [65] يُرادُ به العَقدُ الصَّحيحُ، سَواءٌ صَحِبَه دُخولٌ بالزَّوجةِ أم لا. وهو يَشمَلُ الزَّوجَ والزَّوجةَ، فإذا ماتَ أحَدُ الزَّوجَينِ ولَو قَبلَ الدُّخولِ، ورِثَه الآخَرُ ، والوَلاءُ [66] الولاءُ: هو أن يُعتِقَ عَبدًا، أو يَعتَقَ عليه برَحِمٍ أو تَدبيرٍ أوِ استيلادٍ أو وصيَّةٍ بعِتقِه، فيَرِثُ به عِندَ عَدَمِ العَصَبةِ مِنَ النَّسَبِ، ثُمَّ يَرِثُ به عَصَبَتُه مِن بَعدِها الأقرَبُ فالأقرَبُ. ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/269). ، وذلك في الجُملةِ [67] اختَلَفَ العُلَماءُ في بَعضِ الأسبابِ؛ فعَدَّها بَعضُهم مِن أسبابِ الإرثِ، ونَفاها بَعضُهم ولَم يَعُدَّها، وهيَ على النَّحوِ الآتي: 1- الولاءُ بالإسلامِ (مَن أسلَمَ على يَدَيه أحَدٌ). 2- الإرثُ بالموالاةِ. 3- بَيتُ مالِ المُسلِمينَ. 4- الإرثُ بسَبَبِ الالتِقاطِ. ينُظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويهـ)) للكوسج (8/4390)، ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (7/132، 133)، ((المُغني)) لابن قدامة (6/434)، ((الإنصاف)) للمرداوي (6/ 446)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/ 764). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قَولُه تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: 11] .
2- قَولُه تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء: 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآياتِ دَلالةٌ إلى أنَّ التَّوارُثَ سَبَبُه: النَّسَبُ [68] يُنظر: ((تكملة البحر الرائق)) للطوري (8/ 556)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (6/ 89).      .
3- قَولُه تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: 75] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
هذه الآيةُ دَلَّت على التَّوارُثِ بالقَرابةِ؛ لأنَّ أُولي الأرحامِ عامَّةٌ في جَميعِ القَراباتِ [69] يُنظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (4/88)، ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/ 318، 319)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (6/ 88).        .
4- قَولُه تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّت هذه الآيةُ على أنَّ الشَّرعَ قَضى بالتَّوارُثِ بسَبَبِ الزَّوجيَّةِ [70] يُنظر: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (6/ 89)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 556).  .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها ((أنَّها اشتَرَت بَريرةَ لتُعتِقَها، واشتَرَطَ أهلُها ولاءَها، فقالت: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي اشتَرَيتُ بَريرةَ لأُعتِقَها، وإنَّ أهلَها يَشتَرِطونَ ولاءَها، فقال: أعتِقيها؛ فإنَّما الوَلاءُ لمَن أعتَقَ -أو قال: أعطى الثَّمَنَ- قالت: فاشتَرَيتُها فأعتَقتُها)) [71] أخرجه البخاري (6754) واللفظ له، ومسلم (1504). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضى بأنَّ الولاءَ لمَن أعتَقَ [72] حَيثُ إنَّ الولاءَ: هو أن يُعتِقَ عَبدًا، أو يَعتَقَ عليه برَحِمٍ أو تَدبيرٍ أوِ استيلادٍ أو وصيَّةٍ بعِتقِه، فيَرِثُ به عِندَ عَدَمِ العَصَبةِ مِنَ النَّسَبِ، ثُمَّ يَرِثُ به عَصَبَتُه مِن بَعدِها الأقرَبُ فالأقرَبُ. ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/269).   ، فدَلَّ ذلك على أنَّ التَّوارُثَ يَكونُ بالولاءِ [73] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/ 319)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/ 4).   .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ هُبَيرةَ [74] قال ابنُ هُبَيرةَ: (أجمَعَ المُسلِمونَ على أنَّ الأسبابَ المُتَوارَثَ بها ثَلاثةٌ: رَحِمٌ، ونِكاحٌ، وولاءٌ). ((اختلاف الأئمة العلماء)) (2/ 85). ، وابنُ تَيميَّةَ [75] قال ابنُ تيميَّةَ: (أسبابُ التَّوارُثِ: رَحِمٌ، ونِكاحٌ، وولاءُ عِتقٍ، إجماعًا). ((الأخبار العملية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية)) لابن اللحام (ص: 263). ، وقاضي صَفَدَ [76] قال قاضي صَفَدَ: (أجمَعَ المُسلِمونَ على أنَّ الأسبابَ المُتَوارَثَ بها ثَلاثةٌ: رَحِمٌ، ونِكاحٌ، وولاءٌ). ((رحمة الأمة)) (ص: 182). ، وابنُ حَجَرٍ الهَيتَميُّ [77] قال ابنُ حَجَرٍ الهَيتَميُّ: (أسبابُ الإرثِ أربَعةٌ مُجمَعٌ عليها: قَرابةٌ ... ونِكاحٌ صَحيحٌ، ... وولاءٌ). ((تحفة المحتاج)) (6/ 387، 389). ، والرَّمليُّ [78] قال الرَّمليُّ: (وأسبابُ الإرثِ أربَعةٌ، ثَلاثةٌ مُجمَعٌ عليها، ... قَرابةٌ ... ونِكاحٌ صَحيحٌ ... وولاءٌ ... بالإجماعِ). ((نهاية المحتاج)) (6/ 10). .
رابعًا: لأنَّ المَيِّتَ لَمَّا استَغنى عَن مالِه ولم يَستَحِقَّه أحَدٌ، يَبقى عاطِلًا سائِبًا، والقَريبُ أولى النَّاسِ به، فيَستَحِقُّه بالقَرابةِ صِلةً كما يَستَحِقُّ النَّفَقةَ حالَ حَياةِ مورِّثِه صِلةً، والزَّوجيَّةُ أصلُ القَرابةِ وأساسُها؛ لأنَّ القَراباتِ تَفَرَّعَت وتَشَعَّبَت مِنها، فالتَحَقَ قَرابةُ السَّبَبِ بقَرابةِ النَّسَبِ في حَقِّ استِحقاقِ الإرثِ [79] يُنظر: ((تكملة البحر الرائق)) للطوري (8/ 556).              .
خامسًا: أنَّ المُعتِقَ بالإعتاقِ تَسَبَّبَ إلى إحيائِه حُكمًا حينَ أزالَ عنه المِلكيَّةَ والوِلايةَ التي هيَ مِن خاصَّةِ الإنسانيَّةِ، وكانَ السَّبَبَ إلى الإحياءِ، يَعني بالإعتاقِ [80] يُنظر: ((تكملة البحر الرائق)) للطوري (8/ 556).     .

انظر أيضا: