الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُجِّيَّةُ الإقرارِ


الإقرارُ حُجَّةٌ يَحكُمُ به القاضي عِندَ الفَصلِ في الخُصوماتِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرةٌ [القيامة: 14] .
كَونُ الإنسانِ بَصيرًا على نَفسِه فهو حُجَّةٌ عليه [1637] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 453).                      .
2- قَولُه تَعالى: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [النساء: 125] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
شَهادةُ المَرءِ على نَفسِه هي الإقرارُ [1638] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/ 238 (، ((تفسير القرطبي)) (5/ 410). .
3- قَولُه تَعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف: 172] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
استَدَلَّ بهذه الآيةِ مَن قال: إنَّ مَن ماتَ صَغيرًا دَخَلَ الجَنَّةَ لإقرارِه [1639] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/ 317).                  .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن أبي هُرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنهُما، أنَّهما قالا: ((إنَّ رَجُلًا مِنَ الأعرابِ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللهِ، أنشُدُك اللهَ إلَّا قَضَيتَ لي بكِتابِ اللهِ. فقال الخَصمُ الآخَرُ وهو أفقَه مِنهُ: نَعَم فاقضِ بَينَنا بكِتابِ اللهِ وائذَنْ لي. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ. قال: إنَّ ابني كانَ عَسيفًا على هذا فزَنى بامرَأتِه، وإنِّي أُخبِرتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ فافتَدَيتُ مِنهُ بمِائةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسَألتُ أهلَ العِلمِ فأخبَروني أنَّما على ابني جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرَأةِ هذا الرَّجمَ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي نَفسي بيَدِه لَأقضيَنَّ بَينَكُما بكِتابِ اللهِ: الوليدةُ والغَنَمُ رَدٌّ، وعَلى ابنِكَ جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ. اغدُ يا أُنَيسُ إلى امرَأةِ هذا فإنِ اعتَرَفَت فارجُمْها. قال: فغَدا عليها فاعتَرَفَت، فأمَرَ بها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرُجِمَت)) [1640] أخرجه البخاري (2724، 2725) واللفظ له، ومسلم (1697، 1698). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقامَ عليها الحَدَّ بإقرارِها [1641] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/ 238). .
2- عَن بُرَيدةَ رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: ((جاءَ ماعِزُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنهُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال: ويحَكَ ارجِعْ فاستَغفِرِ اللهَ وتُبْ إلَيه، قال: فرَجَعَ غَيرَ بَعيدٍ... ثُمَّ جاءَ فقال: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ويحَكَ ارجِعْ فاستَغفِرِ اللهَ وتُبْ إلَيه، حَتَّى إذا كانَتِ الرَّابِعةُ قال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فيمَ أُطَهِّرُكَ؟ فقال: مِنَ الزِّنا، فسَألَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبه جُنونٌ؟ فأُخبِرَ أنَّه ليس بمَجنونٍ، فقال: أشَرِبَ خَمرًا؟ فقامَ رَجُلٌ فاستَنكَهَه فلَم يَجِدْ مِنهُ ريحَ خَمرٍ، قال: فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أزَنَيتَ؟ فقال: نَعَم، فأمَرَ به فرُجِمَ)) [1642] أخرجه مسلم (1695). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقامَ على ماعِزٍ الحَدَّ بموجِبِ إقرارِه [1643] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 166، 167).                         .
ثالثًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [1644] قال ابنُ حَزمٍ: (واتَّفَقوا على وُجوبِ الحُكمِ بالبَيِّنةِ مَعَ يَمينِ المَشهودِ له، وبِالإقرارِ الذي لا يَتَّصِلُ بهِ استِثناءٌ أو ما يُبطِلُهـ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 50). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [1645] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على القَضاءِ بإقرارِ المُدَّعى عليهـ). ((الاستذكار)) (22/ 54). ، وابنُ رُشدٍ [1646] قال ابنُ رُشدٍ: (وأمَّا الإقرارُ إذا كانَ بَيِّنًا فلا خِلافَ في وُجوبِ الحُكمِ بهـ). ((بداية المجتهد)) (4/ 254). ، وابنُ قُدامةَ [1647] قال ابنُ قُدامةَ: (لا خِلافَ في أنَّ للحاكِمِ أن يَحكُمَ بالبَيِّنةِ والإقرارِ في مَجلِسِ حُكمِهـ). ((المغني)) (10/ 50). ، والزَّيلَعيُّ [1648] قال الزَّيلَعيُّ: (الأُمَّةُ أجمَعَت على أنَّ الإقرارَ حُجَّةٌ في حَقِّ نَفسِه، حَتَّى أوجَبوا عليه الحُدودَ والقِصاصَ بإقرارِهـ). ((تبيين الحقائق)) (5/ 3).        ، والشِّربينيُّ [1649] قال الشِّربينيُّ: (أجمَعَتِ الأُمَّةُ على المُؤاخَذةِ بهـ). ((مغني المحتاج)) (2/ 238). .
رابِعًا: لأنَّه إخبارٌ على وجهٍ تَنتَفي فيه التُّهمةُ والرِّيبةُ؛ ولِهذا كانَ آكَدَ مِنَ الشَّهادةِ [1650] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 453).                      .
خامسًا: لأنَّ العاقِلَ لا يُقِرُّ على نَفسِه كاذِبًا بما فيه ضَرَرٌ على نَفسِه أو مالِه، فتَرَجَّحَت جِهةُ الصِّدقِ في حَقِّ نَفسِه، لعَدَمِ التُّهمةِ، وكَمالِ الوِلايةِ [1651] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/ 3).             .
سادسًا: بالقياسِ؛ لأنَّا إذا قَبِلنا الشَّهادةَ على الإقرارِ فلَأن نَقبَلَ الإقرارَ أَولى [1652] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/ 238). .

انظر أيضا: