الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الخامِسةُ: النُّطقُ


اختَلَفَ العُلَماءُ في شَهادةِ الأخرَسِ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: لا تُقبَلُ شَهادةُ الأخرَسِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1040] ((المبسوط)) للسرخسي (16/ 251)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/77). ، والشَّافِعيَّةِ [1041] ((روضة الطالبين)) للنووي (11/245)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/427). ، والحَنابِلةِ [1042] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/301)، ((الإنصاف)) للمرداوي (12/38). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ مُراعاةَ لَفظةِ الشَّهادةِ شَرطُ صِحَّةِ أدائِها، ولا عِبارةَ للأخرَسِ أصلًا؛ فلا شَهادةَ له [1043] وهذا دليلُ الحَنَفيَّةِ. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/268). .
ثانيًا: أنَّ الشَّهادةَ يُعتَبَرُ فيها اليَقينُ، وذلك لا يَحصُلُ بفَقدِ الكَلامِ؛ ولذلك لا يُكتَفى بإيماءِ النَّاطِقِ، ولا يَحصُلُ اليَقينُ بالإشارةِ، وإنَّما اكتُفيَ بإشارَتِه في أحكامِه المُختَصَّةِ به للضَّرورةِ، ولا ضَرورةَ هَاهنا [1044] يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (12/33). .
القَولُ الثَّاني: تُقبَلُ شَهادةُ الأخرَسِ إذا كانَت له إشارةٌ مُفهِمةٌ [1045] أمَّا أداءُ شَهادَتِه بالكِتابةِ فقدِ اختَلَفَ في قَبولِها أصحابُ هذا القَولِ، فيَرى المالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في المُعتَمَدِ أنَّها مَقبولةٌ، ويَرى بَعضُ الحَنابِلةِ أنَّها غَيرُ مَقبولةٍ، وقد تَوقَّفَ فيها الإمامُ أحمَدُ. يُنظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/168)، ((الإنصاف)) للمرداوي (12/39)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/359). ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1046] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/899)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/168). ، ومقابِلُ الأصَحِّ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [1047] ((روضة الطالبين)) للنووي (11/245). ، ووَجهٌ عِندَ الحَنابِلةِ [1048] ((الإنصاف)) للمرداوي (12/39). ، واختاره ابنُ المُنذِرِ [1049] قال ابنُ المُنذِرِ: (إذا كانَت إشارَتُه تُفهَمُ عنه، فشَهادَتُه مَقبولةٌ). ((الأوسط)) (7/287). ، وابنُ عُثَيمين [1050] قال ابنُ عُثَيمينَ: (القَولُ الرَّاجِحُ المُتَعَيِّنُ أنَّ شَهادةَ الأخرَسِ تُقبَلُ إذا فُهِمَت إشارَتُه ... فإذا فُهِمَت إشارةُ الأخرَسِ فما المانِعُ مِن قَبولِها؟! الحَقيقةُ أنَّه لا مانِعَ، وأنَّه يَتَعَيَّنُ على القاضي، وعَلى غَيرِ القاضي مِمَّن حَكَمَ بَينَ النَّاسِ أن يَحكُمَ بشَهادةِ الأخرَسِ إذا فُهِمَت إشارَتُهـ). ((الشرح الممتع)) (15/417، 418). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالت: ((اشتَكى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَخَلَ عليه ناسٌ مِن أصحابِه يَعودونَه، فصَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسًا، فصَلَّوا بصَلاتِه قيامًا، فأشارَ إليهم: ‌أنِ ‌اجلِسوا، فجَلَسوا)) [1051] أخرجه البخاري (688)، ومسلم (412)، واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لَمَّا أشارَ إليهم بما فهِموا عنه استَعمَلوا ذلك؛ لأنَّ ذلك كانَ عِندَهم حَقًّا، فكَذلك يَجِبُ قَبولُ إشارةِ مَن أشارَ بشَيءٍ يُفهَمُ عنه مِمَّا لَو نَطَقَ به المُتَكَلِّمُ وجَبَ قَبولُ ذلك منه [1052] ((الأوسط)) لابن المنذر (7/287). .
ثانيًا: أنَّ إشارَتَه كَعِبارةِ النَّاطِقِ في نِكاحِه وطَلاقِه، فكَذلك في الشَّهادةِ [1053] ((المهذب)) للشيرازي (3/436)، ((التاج والإكليل)) للمواق (6/154). .

انظر أيضا: