الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: الرِّزقُ مِن بَيتِ المالِ


1- طَلَبُ الرِّزقِ مِن بَيتِ المالِ إذا كانَ القاضي فقيرًا
يَجوزُ أخذُ الرِّزقِ على القَضاءِ مِن بَيتِ المالِ إذا كانَ القاضي فقيرًا، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [504] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 237)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (6/ 389). ، والمالِكيَّةِ [505]  ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 120)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/ 338). ، والشَّافِعيَّةِ [506] ((روضة الطالبين)) (11/ 137). ويُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/ 377). ، والحَنابِلةِ [507] ((الإقناع)) للحجاوي (4/366)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 290). ، وحُكيَ الإجماعُ على جَوازِ الرِّزقِ مِن بَيتِ المالِ [508] قال ابنُ حَجَرٍ: (قال أبو عَليٍّ الكَرابيسيُّ: لا بَأسَ للقاضي أن يَأخُذَ الرِّزقَ على القَضاءِ عِندَ أهلِ العِلمِ قاطِبةً مِنَ الصَّحابةِ ومَن بَعدَهُم، وهو قَولُ فُقَهاءِ الأمصارِ، لا أعلَمُ بَينَهُما اختِلافًا، وقد كَرِهَ ذلك قَومٌ مِنهُم مَسروقٌ، ولا أعلَمُ أحَدًا مِنهُم حَرَّمَه، وقال المُهَلَّبُ: وجهُ الكَراهةِ أنَّه في الأصلِ مَحمولٌ على الاحتِسابِ؛ لقَولِه تَعالى لنَبيِّهِ: قُلْ لَا أسألُكُم عَلَيْهِ أَجْرًا فأرادوا أن يَجريَ الأمرُ فيه على الأصلِ الذي وضَعَه اللهُ لنَبيِّه، ولئَلَّا يَدخُلَ فيه مَن لا يَستَحِقُّه، فيَتَحَيَّلَ على أموالِ النَّاسِ. وقال غَيرُه: أخذُ الرِّزقِ على القَضاءِ -إذا كانَت جِهةُ الأخذِ مِنَ الحَلالِ- جائِزٌ إجماعًا، ومَن تَرَكَه إنَّما تَرَكَه تَورُّعًا). ((فتح الباري)) (13/150).    .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تعالى: إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ ‌وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا [التوبة: 60] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّت هذه الآيةُ على أنَّ العامِلينَ على الزَّكاةِ مِن جُملةِ المُستَحِقِّينَ لَها، فكَما أنَّ مَن يَقومُ على مَصالِحِ الزَّكاةِ لَه حَقٌّ فيها، يَكونُ للقُضاةِ الذينَ يَقومونَ على مَصالِحِ المُسلِمينَ حَقٌّ في بَيتِ مالِ المُسلِمينَ، بَل أولى [509] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/150).                      .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأسلَميِّ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَنِ استَعمَلناهُ على عَمَلٍ فرَزَقناهُ رِزقًا، فما أخَذَ بَعدَ ذلك فهو غُلولٌ)) [510] أخرجه أبو داود (2943)، وابن خزيمة (2369)، والحاكم (1491). صحَّحه ابنُ خزيمة، والحاكمُ على شرط الشَّيخين، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (94)، وابنُ المُلَقِّنِ على شَرطِ الشَّيخَينِ في ((البدر المنير)) (9/564).            .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على جَوازِ أخذِ الرِّزقِ إذا فرَضَه لَه الإمامُ [511] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/ 457).                        .
2 - عَن عَبدِ اللهِ بنِ السَّعديِّ أنَّه قدِمَ على عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ مِنَ الشَّامِ، فقال لَه عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنهُ: ((ألَم أُخبَرْ أنَّكَ تَلي أعمالًا مِن أعمالِ النَّاسِ، فتُعطى عُمالَتَكَ فلا تَقبَلُ؟ فقُلتُ: أجَلْ، إنَّ لي أفراسًا وأعبُدًا وأنا بخَيرٍ، وأنا أُريدُ أن يَكونَ عَمَلي صَدَقةً على المُسلِمينَ. فقال عُمَرُ: لا تَفعَلْ؛ فإنِّي قد أرَدتُ مِثلَ الذي أرَدتَ، وإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يُعطيني العَطاءَ فأقولُ: أعطِه مَن هو أحوجُ إليه مِنِّي، وإنَّه أعطاني مَرَّةً مالًا فقُلتُ: أعطِه مَن هو أحوجُ إليه مِنِّي. فقال: يا عُمَرُ، ما آتاكَ اللهُ به مِن هذا المالِ مِن غَيرِ مَسألةٍ ولا إشرافِ نَفسٍ فخُذْه فتَمَوَّلْه أو تَصَدَّقْ به، وما لا فلا تُتبِعْه نَفسَك)) [512] أخرجه البخاري (7163) واللفظ له، ومسلم (1045) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على إباحةِ أخذِ الأرزاقِ مِن وُجوهِها للقُضاةِ [513] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (6/600).               .
ثالثًا: لأنَّ بَيتَ المالِ أُعِدَّ لمَصالِحِ المُسلِمينَ، والقاضي مَحبوسٌ لمَصالِحِهِم، والحَبسُ مِن أسبابِ النَّفَقةِ، فكانَ رِزقُه فيه كَرِزقِ المُقاتِلةِ والزَّوجةِ، يُعطى مِنهُ ما يَكفيه وأهلَه [514] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/ 33) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 237).              .
2- طَلَبُ الرِّزقِ مِن بَيتِ المالِ إذا كانَ القاضي غَنيًّا
يَجوزُ طَلَبُ الرِّزقِ مِن بَيتِ المالِ إذا كانَ القاضي غَنيًّا، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ -على الأصَحِّ- [515] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 237)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (6/ 389). ، والحَنابِلةِ [516] ((الإقناع)) للحجاوي (4/366)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 290). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأسلَميِّ رَضيَ اللهُ عنهُ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَنِ استَعمَلناهُ على عَمَلٍ فرَزَقناهُ رِزقًا، فما أخَذَ بَعدَ ذلك فهو غُلولٌ)) [517] أخرجه أبو داود (2943)، وابن خزيمة (2369)، والحاكم (1491). صحَّحه ابنُ خزيمة، والحاكمُ على شرط الشَّيخين، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (94)، وابنُ المُلَقِّنِ على شَرطِ الشَّيخَينِ في ((البدر المنير)) (9/564).            .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على جَوازِ أخذِ الرِّزقِ إذا فرَضَه لَه الإمامُ [518] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/ 457).                        .
2 - عَن عَبدِ اللهِ بنِ السَّعديِّ أنَّه قدِمَ على عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ مِنَ الشَّامِ، فقال لَه عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنهُ: ((ألَم أُخبَرْ أنَّكَ تَلي أعمالًا مِن أعمالِ النَّاسِ، فتُعطى عُمالَتَكَ فلا تَقبَلُ؟ فقُلتُ: أجَلْ، إنَّ لي أفراسًا وأعبُدًا وأنا بخَيرٍ، وأنا أُريدُ أن يَكونَ عَمَلي صَدَقةً على المُسلِمينَ. فقال عُمَرُ: لا تَفعَلْ؛ فإنِّي قد أرَدتُ مِثلَ الذي أرَدتَ، وإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يُعطيني العَطاءَ فأقولُ: أعطِه مَن هو أحوجُ إليه مِنِّي، وإنَّه أعطاني مَرَّةً مالًا فقُلتُ: أعطِه مَن هو أحوجُ إليه مِنِّي. فقال: يا عُمَرُ، ما آتاكَ اللهُ به مِن هذا المالِ مِن غَيرِ مَسألةٍ ولا إشرافِ نَفسٍ فخُذْه فتَمَوَّلْه أو تَصَدَّقْ به، وما لا فلا تُتبِعْه نَفسَك)) [519] أخرجه البخاري (7163) واللفظ له، ومسلم (1045). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على إباحةِ أخذِ الأرزاقِ مِن وُجوهِها للقُضاةِ [520] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (6/600).               .
ثانيًا: أنَّ في إعطاءِ القاضي الرِّزقَ ولَو مَعَ غِناهُ صيانةً للقَضاءِ عَنِ الهَوانِ [521] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/382).                .
ثالثًا: أنَّه لَو لَم يَجُزْ أخذُ الرِّزقِ مَعَ الغِنى لَأفضى ذلك إلى تَعطيلِ القَضاءِ؛ لأنَّه قَلَّ أن يوجَدَ أحَدٌ يَسهُلُ عليه الاشتِغالُ عَن أشغالِ نَفسِه وتَكَسُّبِه بغَيرِ عِوضٍ [522] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/512).                   .

انظر أيضا: