الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّل: حُكمُ القَضاءِ بالشَّهادةِ على الشَّهادةِ


تُقبَلُ الشَّهادةُ على الشَّهادةِ، ويَعمَلُ بها القاضي في الجُملةِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ [الطلاق: 2] .
2- قَولُه تعالى: وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ من الآيتينِ:
جاءَ الأمرُ بالإشهادِ في هاتَينِ الآيَتَينِ عامًّا في كُلِّ ما يَصِحُّ الإشهادُ عليه، فيَدخُلُ في ذلك الإشهادُ على الشَّهادةِ [357] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/976). .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك [358] وقد حَكى القاضي عَبدُ الوهَّابِ الخِلافَ في هذه المَسألةِ عَن داوُدَ الظَّاهِريِّ. يُنظر: ((الإشراف)) (2/976). : الماوَرديُّ [359] قال الماوَرديُّ: (أمَّا الشَّهادةُ على الشَّهادةِ فجائِزةٌ مَعَ الاتِّفاقِ على جَوازِها). ((الحاوي)) (17/219). ، والعِمرانيُّ [360] قال العِمرانيُّ: (وأمَّا عَدَدُ شُهودِ الفَرعِ: فإن كانَ عَدَدُ شُهودِ الأصلِ شاهِدَينِ، فشَهِدَ شاهِدانِ على شَهادةِ أحَدِ الشَّاهِدَينِ، ثُمَّ يَشهَدُ شاهِدانِ آخَرانِ على شَهادةِ الشَّاهِدِ الآخَرِ... ثَبَتَت شَهادةُ شاهِدَيِ الأصلِ بالإجماعِ؛ لأنَّ قَولَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما قد ثَبَتَ بشاهِدَينِ). ((البيان)) (13/369). ، وابنُ قُدامةَ [361] قال ابنُ قُدامةَ: (فإنَّ الشَّهادةَ على الشَّهادةِ جائِزةٌ بإجماعِ العُلَماءِ. وبه يَقولُ مالِكٌ، والشَّافِعيُّ، وأصحابُ الرَّأيِ. قال أبو عُبَيدٍ: أجمَعَتِ العُلَماءُ مِن أهلِ الحِجازِ والعِراقِ على إمضاءِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ في الأموالِ، ولأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إليها، فإنَّها لَو لم تُقبَلْ لَبَطَلَتِ الشَّهادةُ على الوقفِ، وما يَتَأخَّرُ إثباتُه عِندَ الحاكِمِ ثُمَّ يَموتُ شُهودُه، وفي ذلك ضَرَرٌ على النَّاسِ، ومَشَقَّةٌ شَديدة؛، فوجَبَ أن تُقبَلَ، كَشَهادةِ الأصلِ). ((المغني)) (10/187). ، وبهاءُ الدِّينِ المَقدِسيُّ [362] قال بَهاءُ الدِّينِ المَقدِسيُّ: (والشَّهادةُ على الشَّهادةِ في الجُملةِ جائِزةٌ بإجماعِ أهلِ العِلمِ). ((العدة)) (ص: 693). ، وابنُ مَودودٍ المَوصِليُّ [363] قال ابنُ مَودودٍ: (تَجوزُ الشَّهادةُ على الشَّهادةِ فيما لا يَسقُطُ بالشُّبهةِ، والأصلُ في جَوازِها إجماعُ الأُمَّةِ على ذلك). ((الاختيار)) (2/150). ، وابنُ المُنجَّى [364] قال ابنُ المُنجَّى: (الأصلُ في الشَّهادةِ على الشَّهادةِ في الجُملةِ الإجماعُ والمَعنى؛ أمَّا الإجماعُ فقال أبو عُبَيدٍ: أجمَعَتِ العُلَماءُ مِن أهلِ الحِجازِ والعِراقِ على إمضاءِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ في الأموالِ). ((الممتع في شرح المقنع)) (4/677). ، والزَّركَشيُّ [365] قال الزَّركَشيُّ: (الشَّهادةُ على الشَّهادةِ جائِزةٌ في الجُملةِ بالإجماعِ، قال أبو عُبَيدٍ: أجمَعَتِ العُلَماءُ مِن أهلِ الحِجازِ والعِراقِ على إمضاءِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ في الأموالِ، وللحاجةِ الدَّاعيةِ إلى ذلك؛ إذ قد يَتَأخَّرُ إثباتُ الوُقوفِ ونَحوِها عِندَ الحاكِمِ، ثُمَّ يَموتُ شُهودُ ذلك، فلَو لم تُقبَلْ لَأفضى ذلك إلى ضَرَرٍ كَثيرٍ، وإنَّه مَنفيٌّ شَرعًا، ومَحَلُّ قَبولِها الأموالُ بلا رَيبٍ؛ للإجماعِ والمَعنى المُتَقدِّمَينِ). ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (7/361). ، وبُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ [366] قال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (بابُ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ والرُّجوعِ عَنِ الشَّهادةِ، قال جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعتُ أحمَدَ يُسألُ عَنِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ، فقال: هيَ جائِزةٌ. وكانَ قَومٌ يُسَمُّونَها التَّأويلَ، والأصلُ فيها الإجماعُ. قال أبو عُبَيدٍ: أجمَعَتِ العُلَماءُ مِن أهلِ الحِجازِ والعِراقِ على إمضاءِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ في الأموالِ). ((المبدع)) (8/338). ، وابنُ النَّجَّارِ [367] قال ابنُ النَّجَّارِ: (قال جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعتُ أحمَدَ يُسألُ عَنِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ، فقال: هيَ جائِزةٌ. وكانَ قَومٌ يُسَمُّونَها التَّأويلَ، والأصلُ فيها الإجماعُ. قال أبو عُبَيدٍ: أجمَعَتِ العُلَماءُ مِن أهلِ الحِجازِ والعِراقِ على إمضاءِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ في الأموالِ). ((شرح المنتهى)) (11/480). .
ثالثًا: أنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى العَمَلِ بالشَّهادةِ على الشَّهادةِ؛ فإنَّ الشَّهادةَ تَوثيقٌ يُقصَدُ به الاستِدامةُ، وقد يَطرَأُ على الشَّاهِدِ ما يَمنَعُه عَن أداءِ الشَّهادةِ مِن مَوتٍ أو عَجزٍ، فيُضطَرُّ إلى الإرشادِ على شَهادَتِه ليَستَديمَ بها التَّوثيقُ، ولا يَضيعَ الحَقُّ على مُستَحِقِّه، وإلَّا لَتَرَتَّبَ على ذلك بُطلانُ الشَّهادةِ على الوقفِ، وما يَتَأخَّرُ إثباتُه عِندَ القاضي حَتَّى يَموتَ شُهودُه، وفي ذلك ضَرَرٌ على النَّاسِ ومَشَقَّةٌ شَديدةٌ [368] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (17/219)، ((المغني)) لابن قدامة (10/187). .
رابعًا: أنَّ الشَّهادةَ خَبَرٌ، فلَمَّا جازَ نَقلُ الخَبَرِ لاستِدامةِ العِلمِ بهِ، جازَ نَقلُ الشَّهادةِ لاستِدامةِ التَّوثيقِ بها [369] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (17/219). .

انظر أيضا: