الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ القيامِ بالقَضاءِ ونَصبِ القُضاةِ


القيامُ بوِلايةِ القَضاءِ واجِبٌ، فيَتَعَيَّنُ على وليِّ الأمرِ أن يَقضيَ بَينَ النَّاسِ، أو أن يَنصِبَ القُضاةَ لذلك.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةً فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُمْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ [ص: 26] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تَعالى أثبَتَ لداوُدَ عليه السَّلامُ اسمَ الخِلافةِ لأجلِ الحُكمِ بَينَ النَّاسِ، فدَلَّ ذلك على وُجوبِ إقامةِ وِلايةِ القَضاءِ، وشَرعُ مَن قَبلَنا شَرعٌ لَنا ما لم يُنسَخْ [3] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/60). .
2- قَولُه تعالى: إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدى وَنُورٌۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ [المائدة: 44] .
3- قَولُه تعالى: وَأَنِ ٱحۡكُمْ بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ [المائدة: 49] .
4- قَولُه تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا [النساء: 65] .
وَجهُ الدَّلالةِ من الآياتِ:
بَيَّنَ اللهُ تَعالى أنَّ القَضاءَ والحُكمَ بَينَ النَّاسِ مِن وظائِفِ الأنبياءِ والرُّسُلِ، فدَلَّ على وُجوبِه عليهم وعَلى مَن وليَ أمرَ النَّاسِ مِن بَعدِهم [4] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/60). .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الماوَرديُّ [5] قال الماوَرديُّ: (الأصلُ في وُجوبِ القَضاءِ وتَنفيذِ الحُكمِ بَينَ الخُصومِ كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإجماعُ الأُمَمِ عليهـ). ((الحاوي)) (16/3). ، وابنُ فَرْحونَ [6] قال ابنُ فَرْحون: (ولا خِلافَ بَينَ الأئِمَّةِ أنَّ القيامَ بالقَضاءِ واجِبٌ). ((تبصرة الحكام)) (1/12). ، وابنُ المُنَجَّى [7] قال ابنُ المُنجَّى: (أجمَعَ المُسلِمونَ على نَصبِ القُضاةِ للحُكمِ بَينَ النَّاسِ). ((الممتع في شرح المقنع)) (4/504). ، وعلاءُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسيُّ [8] قال عَلاءُ الدِّينِ الطَّرابُلُسيُّ: (لا خِلافَ بَينَ الأُمَّةِ أنَّ القيامَ بالقَضاءِ واجِبٌ). ((معين الحكام)) (ص: 7). ، وبُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ [9] قال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (أجمَعَ المُسلِمونَ على نَصبِ القُضاةِ للفَصلِ بَينَ النَّاسِ). ((المبدع)) (8/139). .
ثالثًا: أنَّ القَضاءَ في الأصلِ مِن عُمومِ وِلايةِ وليِّ الأمرِ، فهو المُختَصُّ بهِ ابتِداءً، ولأنَّه هو القائِمُ بأمرِ الرَّعيَّةِ المُتَكَفِّلُ بمَصلَحَتِهم، ولا يَصِحُّ تَنصيبُ أحَدٍ للقَضاءِ إلَّا مِن جِهَتِه، فصارَ واجِبًا عليه [10] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/7)، ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/504). .
رابعًا: أنَّ في إقامةِ القَضاءِ تَحقيقًا لشَعيرةِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ الواجِبةِ [11] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/7)، ((المبسوط)) للسرخسي (16/60). .
خامِسًا: أنَّ النُّفوسَ يَكثُرُ فيها الظُّلمُ والتَّنازُعُ والتَّخاصُمُ، ويَقِلُّ فيها التَّناصُرُ، فالضَّرورةُ داعيةٌ إلى قَودِهم إلى الحَقِّ والفَصلِ فيما بَينَهم [12] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/7)، ((المهذب)) للشيرازي (3/376)، ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/505). .
سادِسًا: أنَّ إقامةَ القَضاءِ مِمَّا جَرَت بهِ عاداتُ الأُمَمِ وجاءَت به جَميعُ الشَّرائِعِ [13] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/7). .
سابِعًا: أنَّ في أحكامِ الاجتِهادِ ما يَكثُرُ فيه الاختِلافُ، فلا يَتَعَيَّنُ الحَقُّ بَينَ المُختَلِفينَ إلَّا بالقَضاءِ الحاسِمِ [14] يُنظر: ((الحاوي)) للماوردي (16/7). .
ثامِنًا: أنَّ في إقامةِ القَضاءِ بالحَقِّ إظهارًا للعَدلِ، ورَفعًا للظُّلمِ، وإنصافًا للمَظلومِ مِنَ الظَّالِمِ، وإيصالَ الحَقِّ إلى المُستَحِقِّ؛ فدَلَّ ذلك على وُجوبِ إقامَتِه [15] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/60). .

انظر أيضا: