الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ قِتالِ جَماعةٍ مِنَ المُرتَدِّينَ


يُشرَعُ قِتالُ المُرتَدِّينَ.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
1- قال اللهُ تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: 85] .
2- قال اللهُ تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة: 217] .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيَتَينِ:
أنَّ المُرتَدَّ لا يُقَرُّ على دينِه، فوجَبَ رُجوعُه أو قَتلُه، فإن كانوا جَماعةً قاهرينَ وجَبَ قِتالُهم [2018] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/442).  .
3- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة: 123] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّت هذه الآيةُ على أنَّ مَن تَرَكَ وعَدَلَ عن دينِنا كان أقرَبَ إلينا مِن غَيرِه مِنَ الكُفَّارِ، فيُقدَّمُ قَتلُه على قَتلِ الكافِرِ الأصليِّ [2019] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/442).  .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن عِكرِمةَ، قال: أُتيَ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه بزَنادِقةٍ فأحرَقَهم، فبَلَغَ ذلك ابنَ عبَّاسٍ، فقال: لَو كُنتُ أنا لم أُحرِقْهم لنَهيِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولقَتَلتُهم؛ لقَولِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن بَدَّل دينَه فاقتُلوهـ)) [2020] أخرجه البخاري (6922). .
وفي لَفظٍ: ((بقَومٍ مِنَ الزَّنادِقةِ -أو مُرتَدِّينَ- فأمَرَ بهم فحُرقوا)) [2021] أخرجه البيهقي (16942). صَحَّح إسنادَه الذَّهَبيُّ في ((المهذب)) (7/3326). .                      
وَجهُ الدَّلالةِ:
اتِّفاقُ ابنِ عبَّاسٍ وعَليٍّ على قَتلِهم مَعَ اختِلافِهم في طَريقةِ القَتلِ.
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل إجماعَ الصَّحابةِ على ذلك: الماوَرديُّ [2022] قال الماوَرديُّ: (وأمَّا الإجماعُ الدَّالُّ على إباحةِ قِتالِهم: فهو مُنعَقِدٌ عن فِعلِ إمامَينِ: أحَدُهما: أبو بَكرٍ في قِتالِ مانِعي الزَّكاةِ. والثَّاني: عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ في قِتالِ خَلعِ طاعَتِه. فأمَّا أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه فإنَّه قاتَلَ طائِفتَينِ: طائِفةً ارتَدَّت عنِ الإسلامِ مَعَ مُسَيلِمةَ وطُلَيحةَ والعَنسيِّ، فلم يَختَلِفْ عليه مِنَ الصَّحابةِ في قِتالِهم أحَدٌ). ((الحاوي الكبير)) (13/101).  وقال أيضًا: (الصَّحابةُ أجمَعوا على الابتِداءِ بقِتالِهم حينَ ارتَدُّوا بمَوتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَنِ ارتَدَّ، وكان قد جَهَّزَ جَيشَ أُسامةَ بنِ زَيدٍ إلى الرُّومِ، فقال له الصَّحابةُ: لَو صَرَفتَ الجَيشَ إلى قِتالِ أهلِ الرِّدَّةِ. فقال: واللهِ لَوِ انثالَتِ المَدينةُ سِباعًا عليَّ ما رَدَدتُ جَيشًا جَهَّزَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فدَلَّ احتِجاجُ أبي بَكرٍ عليهم بأنَّه لم يَرُدَّهم لأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَهَّزَهم، على إجماعِهم أنَّ البِدايةَ بالمُرتَدِّينَ أَولى). ((الحاوي الكبير)) (13/442). ، وابنُ حَزمٍ [2023] قال ابنُ حَزمٍ: (ورَجَعوا إلى الاتِّفاقِ على قِتالِ أهلِ الرِّدَّةِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 126). ، وابنُ تَيميَّةَ [2024] قال ابنُ تَيميَّةَ: (الصِّدِّيقُ وسائِرُ الصَّحابةِ بدؤوا بجِهادِ المُرتَدِّينَ قَبلَ جِهادِ الكُفَّارِ مِن أهلِ الكِتابِ). ((مجموع الفتاوى)) (35/ 159). ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (3/ 511). .
خامِسًا: أنَّ إبقاءَ المُرتَدِّينَ يُفسِدُ قُلوبَ ضُعَفاءِ المُسلِمينَ، ويُقَوِّي نُفوسَ المُشرِكينَ، فوجَبَ لغِلَظِ حالِ الارتِدادِ أن يُبدَأَ بقِتالِ أهلِه [2025] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/ 443).  .
سادِسًا: أنَّ الرِّدَّةَ عنِ الإسلامِ أغلَظُ مِنَ الكُفرِ الأصليِّ [2026] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/ 443)، ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشيرازي (3/ 260)  .

انظر أيضا: