الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: حُكمُ سَبيِ المُرتَدِّينَ


اختَلَف الفُقَهاءُ في سَبيِ المُرتَدِّينَ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: لا يَجوزُ سَبيُ المُرتَدِّينَ ولا سَبيُ نِسائِهم، بَل يُعرَضُ عليهمُ الإسلامُ، فمَن أبى قُتِلَ، سَواءٌ كان رَجُلًا أوِ امرَأةً، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [2027] ((منح الجليل)) لعليش (9/212). ويُنظر: ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد القيرواني (14/497)، ((الذخيرة)) للقرافي (12/ 42). ، والشَّافِعيَّةِ [2028] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/ 121)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/76). ، والحَنابِلةِ [2029] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/183)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 302). ، وحُكيَ إجماعُ الصَّحابةِ على ذلك [2030] قال الخَطَّابيُّ: (أهلُ الرِّدَّةِ كانوا أصنافًا: مِنهم مَنِ ارتَدَّ عنِ المِلَّةِ ودَعا إلى نُبوَّةِ مُسَيلِمةَ وغَيرِه، ومِنهم مَن تَرَكَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ، وأنكَرَ الشَّرائِعَ كُلَّها، وهؤلاء همُ الذينَ سَمَّاهمُ الصَّحابةُ كُفَّارًا؛ ولِذلك رَأى أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه سَبيَ ذَراريِّهم، وساعَدَه على ذلك أكثَرُ الصَّحابةِ، استَولَدَ عَليُّ بنُ أبى طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه جاريةً مِن سَبيِ بَني حَنيفةَ، فوَلَدَت له مُحَمَّدًا الذي يُدعى ابنَ الحَنَفيَّةِ، ثُمَّ لم يَنقَضِ عَصرُ الصَّحابةِ حتَّى أجمَعوا على أنَّ المُرتَدَّ لا يُسبى). ((معالم السنن)) (2/ 6). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لبَقاءِ عُلقةِ الإسلامِ فيه [2031] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/ 122). .
ثانيًا: لا تُسبى المَرأةُ؛ لأنَّها تُقتَلُ بالزِّنا بَعدَ الإحصانِ، فكذلك بالكُفرِ بَعدَ الإيمانِ؛ قياسًا على الرَّجُلِ [2032] يُنظر: (( أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/ 122). .
ثالِثًا: أنَّ المُرتَدَّ لا يُقَرُّ على رِدَّتِه، وفي إباحةِ سَبيِه إقرارٌ لَه على رِدَّتِه [2033] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/183)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 302).  .
رابِعًا: أنَّ استِرقاقَ الكافِرِ للتَّوسُّلِ إلى الإسلامِ، وأمَّا المُرتَدُّ فاستِرقاقُه لا يَقَعُ وسيلةً إلى الإسلامِ [2034] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/136).  .
القَولُ الثَّاني: يَجوزُ سَبيُ نِسائِهم، وهذا مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [2035] وذلك إذا التَحَقوا بدارِ الحَربِ. ((المبسوط)) للسرخسي (10/111). ((حاشية ابن عابدين)) (4/199). ، ورَجَّحَه ابنُ تَيميَّةَ [2036] قال ابنُ تَيميَّةَ: (سَبيُ الذُّرِّيَّةِ فيه نِزاعٌ: لَكِنَّ أكثَرَ العُلَماءِ على أنَّه تُسبى الصِّغارُ مِن أولادِ المُرتَدِّينَ، وهذا هو الذي دَلَّت عليه سيرةُ الصِّدِّيقِ في قِتالِ المُرتَدِّينَ، وكذلك قد تَنازَعَ العُلَماءُ في استِرقاقِ المُرتَدِّ؛ فطائِفةٌ تَقولُ: إنَّها تُستَرَقُّ، كَقَولِ أبي حَنيفةَ، وطائِفةٌ تَقولُ: لا تُستَرَقُّ، كَقَولِ الشَّافِعيِّ وأحمدَ. والمَعروفُ عنِ الصَّحابةِ هو الأوَّلُ، وأنَّه تُستَرَقُّ مِنه المُرتَدَّاتُ نِساءُ المُرتَدِّينَ؛ فإنَّ الحَنَفيَّةَ التي تَسَرَّى بها عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه -أمَّ ابنِه مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ- مِن سَبيِ بَني حَنيفةَ المُرتَدِّينَ الذينَ قاتَلَهم أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عنه- والصَّحابةُ لمَّا بَعَثَ خالِدَ بنَ الوليدِ في قِتالِهم). ((مجموع الفتاوى)) (28/552). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ تعالى عنه استَرَقَّ نِساءَ بَني حَنيفةَ وصِبيانَهم لمَّا ارتَدُّوا، وقَسَمَهم بَينَ الغانِمينَ، وقدِ استَرَقَّ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أمَّ ابنِه مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ مِنهم [2037] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين على الدر المختار)) (4/199)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/552). .
ثانيًا: أنَّه لم يُشرَعْ قَتلُ المُرتَدَّةِ، ولا يَجوزُ إبقاءُ الكافِرِ على الكُفرِ إلَّا مَعَ الجِزيةِ أو مَعَ الرِّقِّ، ولا جِزيةَ على النِّساءِ، فكان إبقاؤُها على الكُفرِ مَعَ الرِّقِّ أنفَعَ للمُسلِمينَ مِن إبقائِها مِن غَيرِ شَيءٍ [2038] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/136).  .
ثالثًا: قياسُ المُرتَدَّةِ على الحَربيَّةِ، والاستِرقاقُ مَشروعٌ في الحربيَّاتِ [2039] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/111).  .

انظر أيضا: