الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: أن يَكونَ مُختارًا


يُشتَرَطُ للحُكمِ بالرِّدَّةِ أن يَكونَ مَن وَقَع مِنه ما يوجِبُ الرِّدَّةَ مُختارًا غَيرَ مُكرَهٍ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1895] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 129)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/224). ، والمالِكيَّةِ [1896] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 379)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 228). ، والشَّافِعيَّةِ [1897] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 72)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/415). ، والحَنابِلةِ [1898] ((الإقناع)) للحجاوي (4/ 306). ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 185). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [1899] قال ابنُ بَطَّالٍ: (أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ مَن أُكرِهَ على الكُفرِ حتى خَشِيَ على نفسِه القَتلَ أنَّه لا إثمَ عليه إن كَفَر وقَلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ، ولا تَبِينُ منه زوجتُه، ولا يُحكَمُ عليه بحُكمِ الكُفرِ، هذا قَولُ مالِكٍ والكوفيِّينَ والشَّافِعيِّ، غَيرَ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ؛ فإنَّه قال: إذا أظهَرَ الشِّركَ كان مُرتَدًّا في الظَّاهرِ، وهو فيما بَينَه وبَينَ اللهِ على الإسلامِ، وتَبِينُ مِنه امرَأتُه، ولا يُصَلَّى عليه إن ماتَ، ولا يَرِثُ أباه إن ماتَ مُسلِمًا. وهذا قَولٌ تُغني حِكايَتُه عنِ الرَّدِّ عليه؛ لمُخالَفتِه للآياتِ المَذكورةِ في أوَّلِ هذا البابِ). ((شرح صحيح البخاري)) (8/ 291). وقال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا على أنَّ المُكرَهَ على الكُفرِ وقَلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ أنَّه لا يَلزَمُه شَيءٌ مِنَ الكُفرِ عِندَ اللهِ تعالى، واختَلَفوا في إلزامِه أحكامَ الكُفرِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 61). وقال ابنُ العَرَبيِّ: (وأمَّا الكُفرُ باللهِ فذلك جائِزٌ له -أي للمُكرَهِ- بغَيرِ خِلافٍ على شَرطِ أن يَلفِظَ بلِسانِه، وقَلبُه مُنشَرِحٌ بالإيمانِ). ((أحكام القرآن)) (3/ 160). وقال القُرطُبيُّ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ مَن أُكرِهَ على الكُفرِ حتَّى خَشيَ على نَفسِه القَتلَ، أنَّه لا إثمَ عليه إن كَفَرَ وقَلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ، ولا تَبِينُ مِنه زَوجَتُه، ولا يُحكَمُ عليه بحُكمِ الكُفرِ). ((تفسير القرطبي)) (10/ 182). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (لا يَكفُرُ مِن تَكَلَّمَ بالكُفرِ مُكرَهًا بالنَّصِّ والإجماعِ). ((الفتاوى الكبرى)) (3/ 212). وقال ابنُ القَيِّمِ: (ولا خِلافَ بَينَ الأُمَّةِ أنَّه لا يَجوزُ الإذنُ في التَّكَلُّمِ بكَلِمةِ الكُفرِ لغَرَضٍ مِنَ الأغراضِ، إلَّا المُكرَهَ إذا اطمَأنَّ قَلبُه بالإيمانِ). ((إعلام الموقعين)) (3/ 141). وخالَف في ذلك مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، وقال: إذا أظهَرَ الكُفرَ كان مُرتَدًّا في الظَّاهِرِ، وهو فيما بَينَه وبَينَ اللهِ على الإسلامِ، وتَبِينُ مِنه امرَأتُه، ولا يُصَلَّى عليه إن ماتَ. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/ 291)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 24)، ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 314). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُ اللهِ تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
نَصَّ القُرآنُ على أنَّ الإكراهَ على كَلِمةِ الكُفرِ لا يَضُرُّ [1900] يُنظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (2/ 118). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى)) [1901] أخرجه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المَجنونَ والسَّكرانَ والمُكرَهَ لا نيَّةَ لَهم، وكذلك مَن أخطَأ لسانُه [1902] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (8/194).  .
ثالِثًا: أنَّ الإكراهَ شُبهةٌ يُدرَأُ بها الحَدُّ [1903] يُنظر: ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/ 180)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6 / 97).  .
رابِعًا: أنَّ المُكرَهَ غَيرُ مُكَلَّفٍ، فالإكراهُ المُلجِئُ يَمنَعُ التَّكليفَ [1904] يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 245). .

انظر أيضا: