الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: الرِّدَّةُ بالاعتِقادِ


مِن أسبابِ الرِّدَّةِ: الرِّدَّةُ بالاعتِقادِ [1863]  كأن يُشرِكَ باللهِ، أو يَجحَدَ وحدانيَّةَ اللهِ أو رُبوبيَّتَه، أو صِفةً مِن صِفاتِه، أو يَجحَدَ رَسولًا أو كِتابًا أو مَلَكًا، أو يُنكِرَ البَعثَ، ونَحوَ ذلك مِنَ المَعلومِ مِنَ الدِّينِ بالضَّرورةِ. .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ سُبحانَه وتعالى أخبَرَ عَمَّن كَفرَ به بَعدَ الإيمانِ والتَّبَصُّرِ، وشَرَحَ صَدرَه بالكُفرِ واطمَأنَّ به، أنَّه قد غَضِبَ عليه؛ لعِلمِهم بالإيمانِ ثُمَّ عُدولِهم عنه وارتِدادِهم، وأنَّ لَهم عَذابًا عَظيمًا في الدَّارِ الآخِرةِ [1864] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/714). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه: لا يَسمَعُ بي أحَدٌ مِن هذه الأُمَّةِ يَهوديٌّ ولا نَصرانيٌّ، ثُمَّ يَموتُ ولَم يُؤمِنْ بالذي أُرسِلتُ به، إلَّا كان مِن أصحابِ النَّارِ)) [1865] أخرجه مسلم (153). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على وُجوبِ الإيمانِ برِسالةِ نَبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإلَّا كان كافِرًا يَستَحِقُّ العَذابَ [1866] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 186)، ((طرح التثريب في شرح التقريب)) لزين الدين العراقي (7/148،149). .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: القاضي عِياضٌ [1867] قال القاضي عِياضٌ -في مَعرِضِ كَلامِه على صِفةِ العِلمِ للهِ تعالى-: (نَصَّ أئِمَّتُنا على الإجماعِ على كُفرِ مَن نَفى عنه تعالى الوَصفَ بها وأعراه عنها). ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (2/ 620). ، وابنُ جُزيٍّ [1868] قال ابنُ جُزَيٍّ: (لا خِلافَ في تَكفيرِ مَن نَفى الرُّبوبيَّةَ أوِ الوحدانيَّةَ، أو عَبَدَ مَعَ اللهِ غَيرَه، أو كان على دينِ اليَهودِ أوِ النَّصارى والمَجوسِ أوِ الصَّابِئينَ، أو قال بالحُلولِ أوِ التَّناسُخِ، أوِ اعتَقدَ أنَّ اللَّهَ غَيرُ حَيٍّ أو غَيرُ عَليمٍ، أو نَفى عنه صِفةً مِن صِفاتِه، أو قال: صَنَعَ العالَمَ غَيرُه، أو قال: هو مُتَولِّدٌ عن شَيءٍ، أوِ ادَّعى مُجالَسةَ اللَّهِ حَقيقةً أوِ العُروجَ إليه، أو قال بقِدَمِ العالَمِ، أو شَكَّ في ذلك كُلِّه، أو قال بنُبوَّةِ أحَدٍ بَعدَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو جَوَّز الكَذِبَ على الأنبياءِ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أو قال بتَخصيصِ الرِّسالةِ بالعَرَبِ، أوِ ادَّعى أنَّه يوحى إليه...). ((القوانين الفقهية)) (ص: 239). ، وابنُ القَيِّمِ [1869] قال ابنُ القَيِّمِ: (قَولُه: "اللَّهُ أعلَمُ بما كانوا عامِلينَ" دَليلٌ على أنَّ اللَّهَ يَعلَمُ ما يَصيرونَ إليه بَعدَ وِلادَتِهم على الفِطرةِ، هَل يَبقَونَ عليها فيَكونونَ مُؤمِنينَ، أو يُغَيّرونَ فيَصيرونَ كُفَّارًا؟ فهو دَليلٌ على تَقدُّمِ العِلمِ الذي يُنكِرُه غُلاةُ القَدَريَّةِ، واتَّفقَ السَّلَفُ على تَكفيرِهم بإنكارِهـ). ((شفاء العليل)) (ص: 287). .

انظر أيضا: