الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: استِخدامُ السِّلاحِ في الحِرابةِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في اشتِراطِ السِّلاحِ في الحِرابةِ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُشتَرَطُ لإقامةِ الحَدِّ على المُحارِبِ استِخدامُ السِّلاحِ [1566] واعتَبَروا العَصا والحِجارةَ مِن جُملةِ السِّلاحِ. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 90)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/150). ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [1567] اشتَرَطَ الحَنَفيَّةُ السِّلاحَ إذا كان نَهارًا في داخِلِ البَلَدِ، أمَّا باللَّيلِ فسَواءٌ كان بسِلاحٍ أو بغَيرِ سِلاحٍ، وهو قَولُ أبي يوسُفَ، وعليه الفتوى. ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (4/113). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 90). ، والحَنابِلةِ [1568] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/150). ، وقد نُفِيَ العِلمُ بالخِلافِ [1569] قال ابنُ قُدامةَ: (الشَّرطُ الثَّاني: أن يَكونَ مَعَهم سِلاحٌ، فإن لم يَكُنْ مَعَهم سِلاحٌ فهم غَيرُ مُحارِبينَ؛ لأنَّهم لا يَمنَعونَ مَن يَقصِدُهم، ولا نَعلَمُ في هذا خِلافًا). ((المغني)) (9/ 145). وقال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (شَرطُ الثَّاني: أن يَكونَ مَعَهم سِلاحٌ، فإن لم يَكُنْ سِلاحٌ فليسوا مُحارِبينَ؛ لأنَّهم لا يَمنَعونَ مَن يَقصِدُهم، ولا نَعلَمُ في هذا خِلافًا). ((الشرح الكبير)) (10/ 303). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ((مَن حَمَلَ علينا السِّلاحَ فليس مِنَّا)) [1570] أخرجه البخاري (6874)، ومسلم (98). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ فيه دَلالةٌ على أنَّ شَرطَ كَونِه مُحارِبًا شَهرُ السِّلاحِ [1571] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 282).  .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ الزُّبَيرِ قال: (مَن شَهَرَ سَيفَه ثُمَّ وضَعَه، فدَمُه هَدَرٌ) [1572] أخرجه النسائي (4098) واللفظ له، وعبد الرزاق (18683). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4098). ورُوِي بلَفظ: عن ابنِ الزُّبَيرِ، قال: مَن رَفعَ السِّلاحَ ثُمَّ وضَعَه فدَمُه هَدرٌ. أخرجه النسائي (4099)، وابن أبي شيبة (29527) واللفظ لهما، وعبد الرزاق (18684) باختلاف يسير صَحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (11/307)، وصَحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4099). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الأثَرُ قَيَّدَ إهدارَ دَمِه بحَملِ السِّلاحِ [1573] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 282).  .
ثالِثًا: لأنَّه لا يَتَحَقَّقُ تَمامُ مَعنى الإفسادِ في الأرضِ إذا لم يَكُنْ مَعَهم سِلاحٌ [1574] يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 251).  .
القَولُ الثَّاني: لا يُشتَرَطُ حَملُ السِّلاحِ لحَدِّ الحِرابةِ، فإذا قَطَعَ الطَّريقَ أُقيمَ عليه حَدُّ الحِرابةِ، سَواءٌ شَهَرَ سِلاحًا أو لم يَشهَرْ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1575] ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/427)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (8/190)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (4/348). ويُنظر: ((المدونة)) لسحنون (4/556،557،552). ، والشَّافِعيَّةِ [1576] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/248- 250). ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 155). ، وقَولُ ابنِ حَزمٍ [1577] قال ابنُ حَزمٍ: (ولم يَقُلْ -عليه السَّلامُ- أنْ لا مُحارِبَ إلَّا مَن هذه صِفَتُه، فوجَبَ مِن هَذَينِ الأثَرَينِ حُكمُ مَن حَمَلَ السِّلاحَ، وبَقيَ حُكمُ مَن لم يَحمِلِ السِّلاحَ أن يُطلَبَ في غَيرِهما؟ ففعَلنا،... عَمَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَما تَسمَعُ "الضَّرب" ولم يَقُلْ: بسِلاحٍ ولا غَيرِه. فصَحَّ أنَّ كُلَّ حِرابةٍ بسِلاحٍ أو بلا سِلاحٍ فسَواءٌ، قال: فوجَبَ بما ذَكَرنا أنَّ المُحارِبَ هو المُكابِرُ المُخيفُ لأهلِ الطَّريقِ، المُفسِدُ في سَبيلِ الأرضِ، سَواءٌ بسِلاحٍ أو بلا سِلاحٍ أصلًا، سَواءٌ لَيلًا أو نَهارًا، في مِصرٍ أو في فلاةٍ، أو في قَصرِ الخَليفةِ أوِ الجامِعِ، سَواءٌ قدَّموا على أنفُسِهم إمامًا، أو لم يُقدِّموا سِوى الخَليفةِ نَفسِه، فعَلَ ذلك بجُندِه أو غَيرِه، مُنقَطِعينَ في الصَّحراءِ أو أهلَ قَريةٍ، سُكَّانًا في دُورِهم أو أهلَ حِصنٍ كذلك، أو أهلَ مَدينةٍ عَظيمةٍ أو غَيرِ عَظيمةٍ كذلك، واحِدًا كان أو أكثَرَ- كُلُّ مَن حارَبَ المارَّ، وأخاف السَّبيلَ بقَتلِ نَفسٍ، أو أخذِ مالٍ، أو لجِراحةٍ، أو لانتِهاكِ فَرجٍ فهو مُحارِبٌ، عليه وعليهم -كَثُروا أو قَلُّوا- حُكمُ المُحارِبينَ المَنصوصُ في الآيةِ). ((المحلى بالآثار)) (12/ 282). ، واختارَه ابنُ تَيميَّةَ [1578] قال ابنُ تَيميَّةَ: (حُكيَ عن بَعضِ الفُقَهاءِ: لا مُحارَبةَ إلَّا بالمُحَدَّدِ. وحَكى بَعضُهمُ الإجماعَ على أنَّ المُحارَبةَ تَكونُ بالمُحَدَّدِ والمُثقَّلِ. وسَواءٌ كان فيه خِلافٌ أو لم يَكُنْ. فالصَّوابُ الذي عليه جَماهيرُ المُسلِمينَ: أنَّ مَن قاتَلَ على أخذِ المالِ بأيِّ نَوعٍ كان مِن أنواعِ القِتالِ فهو مُحارِبٌ قاطِعٌ، كَما أنَّ مَن قاتَلَ المُسلِمينَ مِنَ الكُفَّارِ بأيِّ نَوعٍ كان مِن أنواعِ القِتالِ فهو حَربيٌّ، ومَن قاتَلَ الكُفَّارَ مِنَ المُسلِمينَ بسَيفٍ أو رُمحٍ أو سَهمٍ أو حِجارةٍ أو عَصًا، فهو مُجاهِدٌ في سَبيلِ اللهِ). ((مجموع الفتاوى)) (28/ 316). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ [المائدة: 33] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى لم يَخُصَّ سِلاحًا أو غَيرَ سِلاحٍ؛ فدَلَّ ذلك على العُمومِ [1579] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 283).  .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هرَيرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِه: ((ومَن خَرَجَ مِن أُمَّتي على أُمَّتي يَضرِبُ بَرَّها وفاجِرَها، لا يَتَحاشَ مِن مُؤمِنِها، ولا يَفي بذي عَهدِها، فليس مِنِّي)) [1580] أخرجه مسلم (1848). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ يَدُلُّ على أنَّ الضَّربَ عامٌّ، ولَم يُحَددْ بسِلاحٍ أو غَيرِه، مِمَّا يُثبِتُ أنَّ كُلَّ حِرابةٍ تُعتَبَرُ جَريمةً، سَواءٌ تَمَّت باستِخدامِ سِلاحٍ أو بدونِه [1581] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 283).  .
ثالِثًا: قياسًا على مَن قاتَلَ المُسلِمينَ مِنَ الكُفَّارِ بأيِّ نَوعٍ كان مِن أنواعِ القِتالِ، فهو حَربيٌّ [1582] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (28/ 316).  .

انظر أيضا: