الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الرَّابِعُ: النِّصابُ


لا يُشتَرَطُ لإقامةِ حَدِّ الحِرابةِ أن يَبلُغَ المالُ المَأخوذُ نِصابَ السَّرِقةِ؛ فيُحكَمُ عليه بحَدِّ الحِرابةِ، سَواءٌ قَلَّ المالُ عنِ النِّصابِ أو كَثُرَ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1589] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (8/189)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 348). ، وقَولٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [1590] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/358-359). ، ورِوايةٌ مُخرَّجةٌ عِندَ الحَنابِلةِ [1591] ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (6/370). ، وهو قَولُ أبي ثَورٍ [1592] ((الأوسط)) لابن المنذر (12/410). ، وابنِ المُنذِرِ [1593] قال ابنُ المُنذِرِ: (فرَّقَ اللَّهُ بَينَ حُكمِ المُحارِبِ والسَّارِقِ، فأوجَبَ اللَّهُ على المُحارِبِ قَطعَ اليَدِ والرِّجلِ، وأوجَبَ على السَّارِقِ قَطعَ اليَدِ لا غَيرُ، فكَما جازَ التَّغليظُ على المُحارِبِ دونَ السَّارِقِ في بابِ قَطعِ اليَدِ والرِّجلِ، فكذلك جائِزٌ أن يُغلَّظَ عليه فيُوجَبَ عليه قَطعُ اليَدِ وإن أخَذَ أقَلَّ مِن قَدرِ ما يَجِبُ فيه قَطعُ اليَدِ، ولا يَجوزُ أن يُقاسَ أصلٌ على أصلٍ، وهذا يَلزَمُ النُّعمانَ؛ لأنَّه فَرَّق بَينَ حُكمِ المُحارَبةِ، وحُكمِ القاتِلِ في غَيرِ بابِ المُحارَبةِ، فزَعَمَ أنَّ مَن قَتَل في المُحارَبةِ بعَصًا أو بحَجَرٍ أو بغَيرِ ذلك بَعدَ أن يَقتُلَه ويَأخُذَ المالَ؛ أنَّ حُكمَ المُحارِبِ له لازِمٌ، تُقطَعُ يَدُه ورِجلُه مِن خِلافٍ، ويُقتَلُ أو يُصلَبُ، وهو لا يَرى القَوَدَ في غَيرِ بابِ المُحارَبةِ إلَّا على مَن قَتَلَ بحَديدةٍ، فإذا فرَّقَ بَينَهما وامتَنَعَ أن يَجعَلَ أحَدَهما قياسًا على الآخَرِ، وجَبَ عليه كذلك أن يَمتَنِعَ مِن أن يَجعَلَ المُحارِبَ إذا أخَذَ أقَلَّ مِمَّا يَجِبُ في مِثلِه قَطعُ اليَدِ قياسًا على السَّارِقِ). ((الأوسط)) (12/410). ، وابنِ عُثَيمين [1594] قال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ الثَّاني: أنَّهم إذا أخَذوا المالَ ولَو أقَلَّ مِمَّا يُقطَعُ به السَّارِقُ، فإنَّه يَتَحَتَّمُ قَطعُ أيديهم وأرجُلِهم مِن خِلافٍ؛ لأنَّ هذا ليس بسَرِقةٍ، بَل هذا جِنايةٌ أعظَمُ، ولا يُقاسُ الأعظَمُ على الأدنى، وأيضًا مَحَلُّ العُقوبةِ في السَّرِقةِ اليَدُ، ومَحَلُّ العُقوبة هنا اليَدُ والرِّجلُ، ولا يُمكِنُ أن يُقاسَ الأغلَظُ عُقوبةً على الأهونِ عُقوبةً، وهذا مَذهَبُ مالِكٍ، وهو الصَّحيحُ، وعُمومُ الأثَرِ الوارِدِ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما يَدُلُّ على ذلك). ((الشرح الممتع)) (14/374). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
عُمومُ قَولِ اللهِ تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33] .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبُعِ دينارٍ فصاعِدًا)) [1595] أخرجه البخاري (6790)، ومسلم (1684) واللَّفظُ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيةِ والحَديثِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى حَدَّدَ على لسانِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رُبُعَ دينارٍ لوُجوبِ القَطعِ في السَّرِقةِ، ولَم يُحَدِّدْ في قَطعِ الحِرابةِ شَيئًا، فاقتَضى ذلك تَوفيةَ جَزائِهم على المُحارَبةِ عنِ القَليلِ والكَثيرِ [1596] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (2/99،100)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/397). .

انظر أيضا: