الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: تَملُّكُ السَّارِقِ المَسروقَ قَبلَ بُلوغِ الإمامِ


إذا تَمَلَّكَ السَّارِقُ المَسروقَ قَبلَ بُلوغِ الإمامِ [1501] كما لَو سَرَقَ شَخصٌ مِن آخَرَ ما يوجِبُ القَطعَ، وقَبلَ بُلوغِ الأمرِ للإمامِ تَملَّك السَّارِقُ ما سَرَقَه، إمَّا بأن تَبَرَّع المَسروقُ مِنه بهبةِ المَسروقِ للسَّارِقِ، وقَبِلَ السَّارِقُ الهبةَ، أو باعَه إيَّاه، أو وَرِثَه. سَقَطَ عنه حَدُّ السَّرِقةِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1502] ((المبسوط)) للسرخسي (9/187)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (5/ 406)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/12). ، والشَّافِعيَّةِ [1503] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/180)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 114). ، والحَنابِلةِ [1504] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/121 - 122)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/132). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [1505] قال الكاسانيُّ: (مِلكُ السَّارِقِ المَسروقَ قَبلَ القَضاءِ، نَحوُ ما إذا وهَبَ المَسروقُ مِنه المَسروقَ مِنَ السَّارِقِ قَبلَ القَضاءِ، وجُملةُ الكَلامِ فيه أنَّ الأمرَ لا يَخلو: إمَّا أن وهَبَه مِنه قَبلَ القَضاءِ، وإمَّا أن وهَبَه بَعدَ القَضاءِ قَبلَ الإمضاءِ. فإن وهَبَه قَبلَ القَضاءِ يَسقُطُ القَطعُ بلا خِلافٍ). ((بدائع الصنائع)) (7/ 89). وقال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (إنْ مَلَك العَينَ المَسروقةَ بهبةٍ أو بَيعٍ أو غَيرِ ذلك مِن أسبابِ المِلكِ، وكان مَلَكَها قَبلَ رَفعِه إلى الحاكِمِ والمُطالَبةِ بها عِندَه، لم يَجِبِ القَطعُ، وبِهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعيُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأيِ، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا). ((الشرح الكبير)) (10/ 253). وقال الشَّلبي: (أجمَعوا على أنَّه لَو مَلَكَه قَبلَ الخُصومةِ لا يَجوزُ استيفاءُ القَطعِ). ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (3/ 230). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن صَفوانَ بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سُرِقَت خَميصَتُه مِن تَحتِ رَأسِه وهو نائِمٌ في مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَخَذَ اللِّصَّ، فجاءَ به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَر بقَطعِه، فقال صَفوانُ: أتَقطَعُه؟ قال: ((فهَلَّا قَبلَ أن تَأتيَني به تَرَكتَهـ)) [1506] أخرجه النسائي (4884) واللَّفظُ له، وأحمد (15503).  صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (4884)، وصَحَّحه شُعَيب الأرناؤوط بطُرُقِه وشاهدِه في تَخريج ((مسند أحمد)) (15503). .
وفي رِوايةٍ بلَفظِ: قال صَفوانُ: فأتَيتُه فقُلتُ: أتَقطَعُه مِن أجلِ ثَلاثينَ دِرهَمًا، أنا أبيعُه وأُنسِئُه ثَمَنَها، ((قال: فهَلَّا كان هذا قَبلَ أن تَأتيَني بهـ)) [1507] أخرجها أبو داود (4394)، والنسائي (4883)، وأحمد (15310). صَحَّحها الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4394)، وصَحَّحها شُعَيب الأرناؤوط بطُرُقِها وشاهدِها في تَخريج ((مسند أحمد)) (15310). .                
وفي رِوايةٍ بلَفظِ: فقال صَفوانُ: يا رَسولَ اللهِ، لم أُرِدْ هذا، رِدائي عليه صَدَقةٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فهَلَّا قَبلَ أن تَأتيَني بهـ)) [1508] أخرجها ابنُ ماجه (2595) واللَّفظُ له، وأحمد (15303). صَحَّحها ابنُ العَرَبيِّ في ((القبس)) (3/1024)، ومُحَمَّد ابن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (4/563)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (2595)، وصَحَّحها شُعَيب الأرناؤوط بطُرُقِها وشاهدِها في تَخريج ((مسند أحمد)) (15303). .                          
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فهَلَّا قَبلَ أن تَأتيَني بهـ)) دَليلٌ على أنَّه لَو وهَبَ للسَّارِقِ رِداءَه قَبلَ أن يَأتيَه به لَما قُطِعَ [1509] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (11/ 223).  .
ثانيًا: أنَّ المُطالَبةَ تُعتَبَرُ شَرطًا للحُكمِ بالقَطعِ، فإذا تَمَلَّكَ السَّارِقُ المالَ قَبلَ صُدورِ الحُكمِ، فإنَّ المُطالَبةَ تُعتَبَرُ غَيرَ مُمكِنةٍ، فيَتَخَلَّفُ شَرطُ القَطعِ [1510] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 128)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/132).  .

انظر أيضا: