الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: أن يُقيمَ المَسروقُ مِنه الدَّعوى على السَّارِقِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في اشتِراطِ مُطالَبةِ المَسروقِ مِنه لإقامةِ الحَدِّ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُشتَرَطُ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ أن يُقيمَ المَسروقُ الدَّعوى على السَّارِقِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [1412] ((حاشية ابن عابدين)) ((4/ 106)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/22). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأصَحِّ- [1413] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 144)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 176). ، والحَنابِلةِ [1414] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 451)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/285). ؛ وذلك أنَّ المالَ يُباحُ بالبَذلِ والإباحةِ، فيُحتَمَلُ أن يَكونَ مالِكُه أباحَه إيَّاه، أو وقَفَه على طائِفةِ المُسلِمينَ، أو على جَماعةِ السَّارِقِ مِنهم، أو أذِنَ لَه في دُخولِ حِرزِه، فاعتُبِرَتِ المُطالَبةُ لتَزولَ الشُّبهةُ [1415] يُنظر: ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 451).  .
القَولُ الثَّاني: لا يُشتَرَطُ أن يُقيمَ المَسروقُ الدَّعوى على السَّارِقِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1416] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 416)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 304). ، ووجهٌ للشَّافِعيَّةِ [1417] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 144)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 176). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ [1418] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 451)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/285). ، وقَولُ ابنِ حَزمٍ [1419] قال ابنُ حَزمٍ: (القَطعُ في السَّرِقةِ ليس هو مِن حُقوقِ المَسروقِ مِنه المالُ، ولا له طَلَبُه دونَ غَيرِه، ولا له العَفوُ عنه، إنَّما هو حَقٌّ للهِ عَزَّ وجَلَّ أمَر به، شاءَ المَسروقُ مِنه أو أبى). ((المحلى بالآثار)) (10/ 234). وقال أيضًا: (وكذلك قال اللهُ تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائِدة: 38] فحَسبُنا وصِحَّةُ الشَّهادةِ بأنَّها سارِقةٌ أو أنَّه سارِقٌ، ولم نَجِدِ اللَّهَ تعالى ذَكَر الزَّمانَ أوِ المَكانَ، أوِ المَسروقَ مِنه، أوِ الشَّيءَ المَسروقَ، فمُراعاةُ ذلك باطِلٌ بيَقينٍ لا شَكَّ فيهـ). ((المحلى بالآثار)) (12/ 49). ، وقال به بَعضُ السَّلَفِ [1420] وهو قَولُ أبي ثَورٍ، وابنِ المُنذِرِ. يُنظر: ((المغني)) ابن قُدامةَ (9/ 142). ، واختارَه ابنُ تَيميَّةَ [1421] قال ابنُ تَيميَّةَ: (...وكُلُّهم مُحتاجٌ إليها، وتُسَمَّى حُدودَ اللهِ، وحُقوقَ اللهِ، مِثلُ: حَدِّ قُطَّاعِ الطَّريقِ، والسُّرَّاقِ، والزُّناةِ ونَحوِهم، ومِثلُ: الحُكمِ في الأُمورِ السُّلطانيَّةِ، والوُقوفِ والوصايا التي لَيسَت لمُعَيَّنٍ، فهذه مِن أهَمِّ أُمورِ الوِلاياتِ؛ ولِهذا قال عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "لا بُدَّ للنَّاسِ مِن إمارةٍ، بَرَّةً كانت أو فاجِرةً، فقيلَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، هذه البَرَّةُ قد عَرَفناها، فما بالُ الفاجِرةِ؟ فقال: يُقامُ بها الحُدودُ، وتَأمَنُ بها السُّبُلُ، ويُجاهَدُ بها العَدوُّ، ويُقسَمُ بها الفَيءُ". وهذا القسمُ يَجِبُ على الوُلاةِ البَحثُ عنه، وإقامَتُه مِن غَيرِ دَعوى أحَدٍ به، وكذلك تُقامُ الشَّهادةُ فيه، مِن غَيرِ دَعوى أحَدٍ بهـ). ((السياسة الشرعية)) (1/85). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قال اللهُ تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
جاءَت هذه الآيةُ مُطلَقةً عنِ اشتِراطِ مُطالَبةِ المَسروقِ مِنه، ولَم يُقَيِّدْها دَليلٌ، فيُعمَلُ بالإطلاقِ [1422] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 49)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/285). .
ثانيًا: عَمَلًا بإقرارِ السَّارِقِ إن أقَرَّ بالسَّرِقةِ، كَما لو أقَرَّ أنَّه زَنى بفُلانةَ فإنَّه لا يُنتَظَرُ حُضورُها [1423] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 176).  .
ثالِثًا: أنَّ موجِبَ القَطعِ السَّرِقةُ، وقد وُجِدَت، فوجَبَ القَطعُ مِن غَيرِ مُطالَبةٍ؛ قياسًا على الزِّنا [1424] يُنظر: ((المغني)) ابن قدامة (9/ 142)، ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 451). .
رابِعًا: أنَّ القَطعَ في السَّرِقةِ مِن حُقوقِ اللهِ تعالى، وليس مِن حُقوقِ المَسروقِ مِنه [1425] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 49). .
خامِسًا: أنَّ إقامةَ الحُدودِ من أهَمِّ أُمورِ الوِلاياتِ، فيَجِبُ على الحاكِمِ البَحثُ عنها، وإقامَتُها مِن غَيرِ دَعوى أحَدٍ بها [1426] يُنظر: ((السياسة الشرعية)) لابن تيمية (1/85).  .

انظر أيضا: