الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الخامِسُ: هَل يُشتَرَطُ أن يَكونَ المَسروقُ أعيانًا قابِلةً للِادِّخارِ والإمساكِ؟


لا يُشتَرَطُ أن يَكونَ المَسروقُ عَينًا تَقبَلُ الادِّخارَ والإمساكَ، فيَجِبُ القَطعُ في كُلِّ الأموالِ المُتَمَوَّلةِ التي يَجوزُ بَيعُها، وأخذُ العِوَضِ عنها [1380] سَواءٌ أكانت طَعامًا أم ثيابًا، أم حَيَوانًا، أم أحجارًا، أم قَصَبًا، أم صَيدًا، أم زُجاجًا، ونَحوَها.  ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [1381] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/ 334)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 300). ، والشَّافِعيَّةِ [1382] ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 162)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (9/ 131). ، والحَنابِلةِ [1383] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 430)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 229). ، والظَّاهِريَّةِ [1384] قال ابنُ حَزمٍ: (فإذا لم تَصِحَّ الآثارُ أصلًا فالواجِبُ ما قاله أصحابُنا مِن أنَّ القَطعَ واجِبٌ في كُلِّ ثَمَرٍ، وفي كُلِّ كُثْرٍ -مُعَلَّقًا كان في شَجَرِه أو مَجذوذًا، أو في جَرينٍ كان أو غَيرِ جَرينٍ- إذا أخَذَه سارِقًا له، مُستَخفيًا بأخذِه، غَيرَ مُضطَرٍّ إليه، وبِغَيرِ حَقٍّ له، فإنَّ القَطعَ في كُلِّ طَعامٍ كان مِمَّا يَفسُدُ أو لا يَفسُدُ، إذا أخَذَه على وَجهِ السَّرِقةِ غَير مَشهورٍ بأخذِه، لا حاجةَ إليه، ولا عن حَقٍّ أوجَبَ له أخذَه، فإنَّ القَطعَ واجِبٌ في الزَّرعِ إذا أُخِذَ مِن فدانِه، أو هو بأندَرِه، على وَجهِ السَّرِقةِ مُستَتِرًا، أو مُختَفيًا بأخذِه، لا عن حاجةٍ إليه، ولا عن حَقٍّ له. وأمَّا الماشيةُ فالقَطعُ فيها أيضًا كذلك، إلَّا أن تَكونَ ضالَّةً يَأخُذُها مُعلِنًا فيَكونُ مُحسِنًا حَيثُ أُبيحَ له أخذُها، وعاصيًا لا سارِقًا حَيثُ لم يُبَحْ له أخذُها، فلا قَطعَ هاهنا؛ لأنَّه ليس سارِقًا، وإنَّما القَطعُ على السَّارِقِ، وعُمدَتُنا في ذلك قَولُ اللهِ تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] ، وحُكمُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَطعِ السَّارِقِ عُمومًا. وبِاللهِ تعالى التَّوفيقُ). ((المحلى)) (12/318). ، وقَولُ أبي يوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ [1385] ((الهداية)) للمرغيناني (2/ 363)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (5/ 366). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قال اللَّهُ تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
عُمومُ الآيةِ للأشياءِ الموجِبةِ للقَطعِ، ويَقتَضي ذلك إيجابَ القَطعِ في كُلِّ ما يُسَمَّى آخِذُه سارِقًا إلَّا ما استَثناه الدَّليلُ [1386] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 348)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (9/ 131). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقطَعُ السَّارِقَ في رُبُعِ دينارٍ فصاعِدًا )) [1387] أخرجه البخاري (6789)، ومسلم (1684) واللفظ له. .
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن عَمرةَ بنتِ عَبدِ الرَّحمَنِ: (أنَّ سارِقًا سَرَقَ أُترُجَّةً في عَهدِ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، فأمَر بها عُثمانُ فقُوِّمَت ثَلاثةَ دَراهمَ مِن صَرفِ اثنَي عَشَرَ دِرهَمًا بدينارٍ، فقَطَعَ يَدَهـ) [1388] أخرجه الشافعي في ((الأم)) (7/321)، والبيهقي (17272). صَحَّحه ابنُ الملقن في ((البدر المنير)) (8/678)، ووثق رجاله شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (10/314). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قَطَع يَدَ سارِقِ الأُترُجَّةِ، وهيَ مِنَ الفواكِهِ التي يَأكُلُها النَّاسُ، وليست مِمَّا يُدَّخَرُ [1389] يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 229). .
رابِعًا: أنَّه مالٌ مُتَمَوَّلٌ مُحرَزٌ [1390] يُنظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/ 334)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 348). ؛ فيَجِبُ الحَدُّ بسَرِقَتِه.

انظر أيضا: