الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: أن يَكونَ المالُ المَسروقُ مالًا مُحتَرَمًا


يُشتَرَطُ لإقامةِ حَدِّ السَّرِقةِ أن يَكونَ المالُ المَسروقُ مالًا مُحتَرَمًا [1287] هو ما يتمَوَّلُه النَّاسُ ويُعِدُّونَه مالًا، فلَو سَرَقَ شَخصٌ خَمرًا أو خِنزيرًا لا تُقطَعُ يَدُه؛ لأنَّه لا قيمةَ للخَمرِ والخِنزيرِ في حَقِّ المُسلِمِ. ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1288] ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 92). ويُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 617). ، والمالِكيَّةِ [1289] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 416 - 417)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (4/336). ، والشَّافِعيَّةِ [1290] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 298)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 160)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 442). ، والحَنابِلةِ [1291] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 260). ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 369). ، وهو مَذهَبُ الظَّاهريَّةِ [1292] قال ابنُ حَزمٍ: (وقالت طائِفةٌ: لا قَطعَ عليه في ذلك ولا ضَمانَ، وهو قَولُ الشَّافِعيِّ، وأحمدَ، وأصحابِهما، وبِه يَقولُ أصحابُنا...، فإذ قد صَحَّ ما قُلنا وصَحَّ أنَّ اللَّهَ تعالى حَرَّم شُربَ الخَمرِ على كُلِّ مُسلِمٍ وكافِرٍ، وحَرَّمَ بَيعَها على كُلِّ مُسلِم وكافِرٍ، وحَرَّم مِلكَها على كُلِّ مُسلِمٍ وكافِرٍ بقَولِه تعالى آمِرًا للرَّسولِ عليه السَّلامُ أن يَقولَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، وبقَولِه عليه السَّلامُ: "كُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ"، وأنَّ الذي حَرَّمَ شُربَها حَرَّمَ بَيعَها؛ ثَبَتَ أنَّها لَيسَت مالًا لأحَدٍ، وأنَّه لا قيمةَ لَها أصلًا، وكذلك الخِنزيرُ؛ للتَّحريمِ الوارِدِ فيه جُملةً. فإذ قد حَرَّمَ مِلكَها جُملةً كان مَن سَرَقَها لم يَسرِقْ مالًا لأحَدٍ، لأنَّه لا قيمةَ لَها أصلًا، ولا سَرَقَ شَيئًا يَحِلُّ إبقاؤُه جُملةً، فلا شَيءَ عليه، والواجِبُ هَرقُها على كُلِّ حالٍ لمُسلِمٍ وكافِرٍ، وكذلك قَتلُ الخَنازيرِ. وبِاللهِ تعالى التَّوفيقُ). ((المحلى بالآثار)) (12/ 322-321). ، وحُكيَ الإجماعُ على بَعضِ أفرادِ المَسألةِ [1293] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ المُسلِمَ إذا سَرَقَ مِن أخيه خَمرًا: أنْ لا قَطعَ عليهـ). ((الإجماع)) (ص: 123).  وقال ابنُ القَطَّانِ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ أنَّ مَن سَرَقَ خَمرًا مِن مُسلِمٍ أنَّه لا قَطعَ عليه، واختَلَفوا في المُسلِمِ يَسرِقُ خَمرَ النَّصرانيِّ، فقال عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ: تُقطَعُ يَدُه، وقال سائِرُ العُلَماءِ: لا يُقطَعُ ولا يَجِبُ عليه، وحُكيَ عن شُرَيحٍ أنَّه قَضى برَدِّ القيمةِ أو رَدِّ الخَمرِ بعَينِها). ((الإقناع)) (2/263-264). ويَنظُرُ: ((البناية)) للعيني (7/18-19)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (5/368). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي بُردةَ، قال: ((بَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَدَّه أبا موسى ومُعاذًا إلى اليَمَنِ، فقال: يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا، وتَطاوَعا، فقال أبو موسى: يا نَبيَّ اللهِ، إنَّ أرضَنا بها شَرابٌ مِنَ الشَّعيرِ: المِزرُ، وشَرابٌ مِنَ العَسَلِ: البِتعُ، فقال: كُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ)) [1294] أخرجه البخاري (4344، 4345) واللفظ له، ومسلم (1733). .
2- قال ابنُ عبَّاسٍ: إنَّ رَجُلًا أهدى لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم راويةَ خَمرٍ، فقال لَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هَل عَلِمتَ أنَّ اللَّهَ قد حَرَّمَها؟ قال: لا، فسارَّ إنسانًا، فقال لَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بمَ سارَرْتَه؟ فقال: أمَرتُه ببَيعِها، فقال: إنَّ الذي حَرَّمَ شُربَها حَرَّمَ بَيعَها)) [1295] أخرجه مسلم (1579). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه إذا حَرَّمَ شُربَها وحَرَّمَ بَيعَها ثَبَتَ أنَّها ليست مالًا لأحَدٍ، وأنَّه لا قيمةَ لَها أصلًا [1296] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 322).  .
ثانيًا: لعَدَمِ تَقَوُّمِها، ولا يضمَنُ مُتلِفُها؛ وذلك لأنَّه ليس بمالٍ [1297] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 617). ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)).  .
ثالِثًا: أنَّها واجِبةُ الإتلافِ، فمَن سَرَقَ شَيئًا لا يَحِلُّ إبقاؤُه، فلا شَيءَ عليه [1298] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 369). ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 322). .
رابِعًا: أنَّ للسَّارِقِ حَقًّا في أخذِ المُحرَّمِ وإتلافِه، فهو شُبهةٌ يُدرَأُ بها الحَدُّ [1299] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 369).  .
خامِسًا: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما أمَرَ بالقَطعِ فيما يَجوزُ مِلكُه، والشَّيءُ الذي لا يَجوزُ مِلكُه لا ثَمَنَ لَه، وإذا لم يَكُنْ لَه ثَمَنٌ فغَيرُ جائِزٍ أن يَغرَمَ المُتلِفُ قيمَتَه [1300] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (12/360).  .

انظر أيضا: