الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّالِثةُ: تَقويمُ نِصابِ السَّرِقةِ إذا كان مِن غَيرِ النَّقدَينِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في تَقويمِ نِصابِ السَّرِقةِ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ إذا كان مِن غَيرِ النَّقدَينِ، على أقوالٍ:
القَولُ الأوَّلُ: يُقَوَّمُ نِصابُ السَّرِقةِ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ بما يُساوي أحَدَ النَّقدَينِ [1322] تَقديرُ نِصابِ الذَّهَبِ بالجِرامِ: الدِّينارُ الواحِدُ مِنَ الذَّهَبِ (المِثقالُ) يُساوي: 4،25 جِراماتٍ، ورُبعُ الدِّينارِ يُساوي: غرامًا واحِدًا ورُبعَ الرُّبعِ، أي: (1،0625). فإذا سَرَقَ الإنسانُ مِنَ الذَّهَبِ ما يَزِنُ غرامًا ورُبُعَ الرُّبعِ، قُطِعَ، عِندَ تَقديرِ نِصابِ السَّرِقةِ برُبعِ دينارٍ. تَقديرُ نِصابِ الفِضَّةِ بالجِرامِ: الدِّرهَمُ الواحِدُ مِنَ الفِضَّةِ يُساوي سَبعةَ أعشارٍ مِنَ المِثقالِ، أي: 2،975 جِرام. ثَلاثةُ دَراهمَ تُساوي (وزن الدِّرهَم) 2،975× 3= 8،925 جِراماتٍ. فمَن سَرَقَ ما تَبلُغُ قيمَتُه 8،925 جِراماتٍ مِنَ الفِضَّةِ الخالِصةِ قُطِعَت يَدُه عِندَ تَقديرِ نِصابِ السَّرِقةِ بثَلاثةِ دَراهمَ. يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/334)، ((المقادير الشرعية)) للكردي (106 116)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (39/566- 269)، : رُبعُ دينارٍ مِنَ الذَّهَبِ، أو ثَلاثةُ دَراهمَ مِنَ الفِضَّةِ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [1323] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 262)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 231). ، وقال به السَّعديُّ [1324] قال السَّعديُّ: (ومِنها: أنَّه لا بُدَّ أن يَكونَ المَسروقُ نِصابًا، وهو رُبعُ دينارٍ، أو ثَلاثةُ دَراهمَ، أو ما يُساوي أحَدَهما، فلَو سَرَقَ دونَ ذلك فلا قَطعَ عليهـ). ((تفسير السعدي)) (2/418). .
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُه ثَلاثةُ دَراهمَ)) [1325] أخرجه البخاري (6795) واللَّفظُ له، ومسلم (1686). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ فيما دونَ المِجَنِّ، قيلَ لعائِشةَ: ما ثَمَنُ المِجَنِّ؟ قالت: رُبعُ دينارٍ )) [1326] أخرجه النسائي (4935). صَحَّحه لغَيرِه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (4935). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذانِ الحَديثانِ على أنَّ غَيرَ النَّقدَينِ يُقَوَّمانِ بنِصابِ النَّقدَينِ؛ لأنَّه قد جاءَ فيهما أنَّ سَبَبَ القَطعِ: المِجَنُّ، وقُوِّمَ بالنَّقدَينِ [1327] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 231). .
القَولُ الثَّاني: يُقَوَّمُ نِصابُ السَّرِقةِ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ بما يُساوي ثَلاثةَ دَراهمَ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1328] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 414)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 333). ، ورِوايةٌ للحَنابِلةِ [1329] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 433)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 262). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُه ثَلاثةُ دَراهمَ)) [1330] أخرجه البخاري (6795) واللفظ له، ومسلم (1686). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ العُروضَ تُقَوَّمُ بالدَّراهمِ؛ لأنَّ المِجَنَّ قُوِّمَ بها [1331] يُنظر: ((المبدع)) لابن مفلح (7/433). .
القَولُ الثَّالِثُ: يُقَوَّمُ نِصابُ السَّرِقةِ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ بما يُساوي رُبُعَ دينارٍ مِنَ الذَّهَبِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [1332] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 110). ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 124). ، وقال به بَعضُ السَّلَفِ [1333] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وبِه قال عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ، واللَّيثُ بنُ سَعدٍ، والأوزاعيُّ، والشَّافِعيُّ وأصحابُه، وإليه ذَهَب أبو ثَورٍ، وداودُ). ((الاستذكار)) (24/151). وقال القُرطبيُّ: (...وهذا قَولُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وعُثمانَ بنِ عَفَّانَ، وعَليٍّ، رَضِيَ اللهُ عنهم، وبِه قال عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ، واللَّيثُ، والشَّافِعيُّ، وأبو ثَورٍ). ((تفسير القرطبي)) (6/112). وقال النَّوويُّ: (وبِهذا قال كَثيرونَ أوِ الأكثَرونَ، وهو قَولُ عائِشةَ، وعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، والأوزاعيِّ، واللَّيثِ، وأبي ثَورٍ، وإسحاقَ، وغَيرِهم). ((شرح النووي على مسلم)) (11/182). ، ورَجَّحَه ابنُ عَبدِ البَرِّ [1334] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وحَديثُ رُبعِ دينارٍ أَولى ما قيلَ في هذا البابِ، واللهُ الموفِّقُ للصَّوابِ). ((الاستذكار)) (24/151). ، والقُرطُبيُّ [1335] قال القُرطُبيُّ: (ظاهِرُ الآيةِ العُمومُ في كُلِّ سارِقٍ، وليس كذلك؛ لقَولِه عليه السَّلامُ: "لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبعِ دينارٍ فصاعِدًا"، فبَيَّن أنَّه إنَّما أرادَ بقَولِه:وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ بَعضَ السُّرَّاقِ دونَ بَعضٍ، فلا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبعِ دينارٍ، أو فيما قيمتُه رُبعُ دينارٍ... وعلى هذا فإن بَلَغَ العَرضُ المَسروقُ رُبعَ دينارٍ بالتَّقويمِ قُطِع سارِقُه، وهو قَولُ إسحاقَ، فقِفْ على هَذَينِ الأصلَينِ فهما عُمدةُ البابِ، وهما أصَحُّ ما قيلَ فيهـ). ((تفسير القرطبي)) (6/160-161). ، واختارَه ابنُ بازٍ [1336] قال ابنُ بازٍ: (فجَعَلَ الرَّبُّ سُبحانَه عُقوبَتَها عَظيمةً؛ رَدعًا للنَّاسِ عن ظُلمِ النَّاسِ، وحَسمًا لمادَّةِ العُدوانِ على أموالِ النَّاسِ، واللهُ يَزَعُ بالسُّلطانِ ما لا يَزَعُ بالقُرآنِ، فالعُقوباتُ رَوادِعُ وزَواجِرُ في الدُّنيا قَبلَ الآخِرةِ، وجَعَلَ لذلك حَدًّا، وهو رُبعُ دينارٍ، قالت عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: «تُقطَعُ اليَدُ في رُبعِ دينارٍ»، وفي اللَّفظِ الآخَرِ: «لا تُقطَعُ اليَدُ إلَّا في رُبعِ دينارٍ»، وفي اللَّفظِ الآخَرِ: «اقطَعوا في رُبعِ دينارٍ ولا تَقطَعوا فيما هو أدنى مِن ذلك». والدِّينارُ مِثقالٌ مِنَ الذَّهَبِ، مَعناه رُبعُ مِثقالٍ مِنَ الذَّهَبِ، وكان الدِّينارُ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِعرُه اثنا عَشَرَ دِرهَمًا، ورُبعُه ثَلاثةُ دَراهمَ؛ ولِهذا في حَديثِ ابنِ عُمَرَ «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطَع في مِجَنٍّ قيمَتُه ثَلاثةُ دَراهمَ»، يَعني رُبُعَ دينارٍ، والمِجَنُّ: التُّرسُ الذي يُتَّقى به السِّلاحُ، وهيَ الدَّرَقةُ، يُقالُ لَها: مِجَنٌّ؛ لأنَّها تَجُنُّ النَّاسَ، تَستُرُهم، فسَرَقَه إنسانٌ فقُطِعَ؛ لأنَّ قيمَتَه صارَت ثَلاثةَ دَراهمَ: رُبعَ دينارٍ، فالنِّصابُ الذي بَيَّنَه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُنضَبِطٌ برُبعِ دينارٍ، وكُلُّ ما بَلَغَ رُبعَ دينارٍ تُقطَعُ فيه اليَدُ، سَواءٌ كان مَتاعًا مِمَّا يُلبَسُ، أو مِمَّا يُؤكَلُ، أو غَيرَ ذلك). ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 706-707). ، وابنُ عُثَيمين [1337] قال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ الثَّاني في المَسألةِ: أنَّ النِّصابَ رُبُعُ دينارٍ فقَط، وليس ثَلاثةَ دَراهمَ، فإذا سَرَقَ شَيئًا يُساوي ثَلاثةَ دَراهمَ، لَكِن لا يُساوي رُبعَ دينارٍ، فليس عليه القَطعُ. وإذا سَرَقَ ما يُساوي رُبعَ دينارٍ فعليه القَطعُ، وإن كان لا يُساوي ثَلاثةَ دَراهمَ، وهذا القَولُ أصَحُّ؛ لأنَّ حَديثَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها صَريحٌ فيه: «لا قَطعَ إلَّا في رُبعِ دينارٍ فصاعِدًا»، وأمَّا الحَديثُ الآخَرُ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطَع في مِجَنٍّ قيمتُه ثَلاثةُ دَراهمَ، فهذا مَحمولٌ على أنَّ ثَلاثةَ الدَّراهمِ تُساوي رُبعَ دينارٍ في ذلك الوقتِ، والدِّينارُ اثنا عَشَرَ دِرهَمًا مِنَ الفِضَّةِ، وهذا القَولُ أصَحُّ). ((الشرح الممتع)) (14/336). .
الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبُعِ دينارٍ فصاعِدًا )) [1338] أخرجه البخاري (6790)، ومسلم (1684) واللَّفظُ له. ، وفي رِوايةٍ: ((لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ فيما دونَ المِجَنِّ. قيلَ لعائِشةَ: ما ثَمَنُ المِجَنِّ؟ قالت: رُبُعُ دينارٍ )) [1339] أخرجها النسائي (4935). صَحَّحه لغَيرِه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (4935). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُه ثَلاثةُ دَراهمَ)) [1340] أخرجه البخاري (6795) واللَّفظُ له، ومسلم (1686). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثانِ على أنَّ النِّصابَ قَدرُه رُبعُ دينارٍ أو ما قِيمَتُه كذلك؛ لأنَّ المِجَنَّ قُدِّر بثَلاثةِ دَراهمَ، وقيمَتُها رُبعُ دينارٍ في ذلك الوقتِ [1341] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (17/277). .

انظر أيضا: