الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: قَدرُ نِصابِ السَّرِقةِ إذا كان مِنَ النَّقدَينِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في قَدرِ نِصابِ السَّرِقةِ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ إذا كان مِنَ النَّقدَينِ، على أقوالٍ أشهَرُها قَولَانِ:
القَولُ الأوَّلُ: نِصابُ السَّرِقةِ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ إذا كان مِنَ النَّقدَينِ: رُبعُ دينارٍ مِنَ الذَّهَبِ، أو ثَلاثةُ دَراهمَ مِنَ الفِضَّةِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1308] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 414)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 333). ، والحَنابِلةِ [1309] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 262)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 231).  ، وهو اختيارُ السَّعديِّ [1310] قال السَّعديُّ: (ومِنها: أنَّه لا بُدَّ أن يَكونَ المَسروقُ نِصابًا، وهو رُبعُ دينارٍ، أو ثَلاثةُ دَراهِمَ، أو ما يُساوي أحَدَهما، فلَو سَرَقَ دونَ ذلك فلا قَطعَ عليهـ). ((تفسير السعدي)) (2/418). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبعِ دينارٍ فصاعِدًا)) [1311] أخرجه البخاري (6790)، ومسلم (1684) واللَّفظُ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّه لا تُقطَعُ اليَدُ إذا كان المَسروقُ مِنَ النَّقدَينِ إلَّا في رُبعِ دينارٍ، أو ثَلاثةِ دَراهمَ فصاعِدًا؛ لأنَّ رُبعَ الدِّينارِ كان يَومَئِذٍ ثَلاثةَ دَراهِمَ [1312] ((المحلى)) لابن حزم (12/ 347)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 231). .
القَولُ الثَّاني: نِصابُ السَّرِقةِ لقَطعِ يَدِ السَّارِقِ إذا كان مِنَ النَّقدَينِ: رُبعُ دينارٍ مِنَ الذَّهَبِ [1313] وعلى هذا إذا كان المَسروقُ مِنَ الدَّراهمِ فإنَّه يُقَدَّرُ بالذَّهَبِ، وليس للدَّراهمِ نِصابٌ في السَّرِقةِ كَما ذَهَبَ إلى ذلك المالِكيَّةُ والحَنابِلةُ. ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [1314] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 110). ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 124). ، وقال به بَعضُ السَّلَفِ [1315] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وبِه قال عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ، واللَّيثُ بنُ سَعدٍ، والأوزاعيُّ، والشَّافِعيُّ وأصحابُه، وإليه ذَهَب أبو ثَورٍ، وداودُ). ((الاستذكار)) (24/151). وقال القُرطبيُّ: (...وهذا قَولُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وعُثمانَ بنِ عَفَّانَ، وعَليٍّ، رَضِيَ اللهُ عنهم، وبِه قال عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ، واللَّيثُ، والشَّافِعيُّ، وأبو ثَورٍ). ((تفسير القرطبي)) (6/112). وقال النَّوويُّ: (وبِهذا قال كَثيرونَ أوِ الأكثَرونَ، وهو قَولُ عائِشةَ، وعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، والأوزاعيِّ، واللَّيثِ، وأبي ثَورٍ، وإسحاقَ، وغَيرِهم). ((شرح النووي على مسلم)) (11/182). ، ورَجَّحَه ابنُ عَبدِ البَرِّ [1316] قال أبو عُمَرَ: (وحَديثُ رُبعِ دينارٍ أَولى ما قيلَ في هذا البابِ، واللهُ الموفِّقُ للصَّوابِ). ((الاستذكار)) لابن عَبدِ البَرِّ (24/151). ، والقُرطُبيُّ [1317] قال القُرطُبيُّ: (ظاهِرُ الآيةِ العُمومُ في كُلِّ سارِقٍ، وليس كذلك؛ لقَولِه عليه السَّلامُ: "لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبعِ دينارٍ فصاعِدًا"، فبَيَّن أنَّه إنَّما أرادَ بقَولِه:وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ بَعضَ السُّرَّاقِ دونَ بَعضٍ، فلا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا في رُبعِ دينارٍ، أو فيما قيمتُه رُبعُ دينارٍ... وعلى هذا فإن بَلَغَ العَرضُ المَسروقُ رُبعَ دينارٍ بالتَّقويمِ قُطِع سارِقُه، وهو قَولُ إسحاقَ، فقِفْ على هَذَينِ الأصلَينِ فهما عُمدةُ البابِ، وهما أصَحُّ ما قيلَ فيهـ). ((تفسير القرطبي)) (6/160-161). ، واختارَه ابنُ بازٍ [1318] قال ابنُ بازٍ: (فجَعَلَ الرَّبُّ سُبحانَه عُقوبَتَها عَظيمةً؛ رَدعًا للنَّاسِ عن ظُلمِ النَّاسِ، وحَسمًا لمادَّةِ العُدوانِ على أموالِ النَّاسِ، واللهُ يَزَعُ بالسُّلطانِ ما لا يَزَعُ بالقُرآنِ، فالعُقوباتُ رَوادِعُ وزَواجِرُ في الدُّنيا قَبلَ الآخِرةِ، وجَعَلَ لذلك حَدًّا، وهو رُبعُ دينارٍ، قالت عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: «تُقطَعُ اليَدُ في رُبعِ دينارٍ»، وفي اللَّفظِ الآخَرِ: «لا تُقطَعُ اليَدُ إلَّا في رُبعِ دينارٍ»، وفي اللَّفظِ الآخَرِ: «اقطَعوا في رُبعِ دينارٍ ولا تَقطَعوا فيما هو أدنى مِن ذلك». والدِّينارُ مِثقالٌ مِنَ الذَّهَبِ، مَعناه رُبعُ مِثقالٍ مِنَ الذَّهَبِ، وكان الدِّينارُ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِعرُه اثنا عَشَرَ دِرهَمًا، ورُبعُه ثَلاثةُ دَراهمَ؛ ولِهذا في حَديثِ ابنِ عُمَرَ «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطَع في مِجَنٍّ قيمَتُه ثَلاثةُ دَراهمَ»، يَعني رُبُعَ دينارٍ، والمِجَنُّ: التُّرسُ الذي يُتَّقى به السِّلاحُ، وهيَ الدَّرَقةُ، يُقالُ لَها: مِجَنٌّ؛ لأنَّها تَجُنُّ النَّاسَ، تَستُرُهم، فسَرَقَه إنسانٌ فقُطِعَ؛ لأنَّ قيمَتَه صارَت ثَلاثةَ دَراهمَ: رُبعَ دينارٍ، فالنِّصابُ الذي بَيَّنَه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُنضَبِطٌ برُبعِ دينارٍ، وكُلُّ ما بَلَغَ رُبعَ دينارٍ تُقطَعُ فيه اليَدُ، سَواءٌ كان مَتاعًا مِمَّا يُلبَسُ، أو مِمَّا يُؤكَلُ، أو غَيرَ ذلك). ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 706-707). ، وابنُ عُثَيمين [1319] قال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ الثَّاني في المَسألةِ: أنَّ النِّصابَ رُبُعُ دينارٍ فقَط، وليس ثَلاثةَ دَراهمَ، فإذا سَرَقَ شَيئًا يُساوي ثَلاثةَ دَراهمَ، لَكِن لا يُساوي رُبعَ دينارٍ، فليس عليه القَطعُ. وإذا سَرَقَ ما يُساوي رُبعَ دينارٍ فعليه القَطعُ، وإن كان لا يُساوي ثَلاثةَ دَراهمَ، وهذا القَولُ أصَحُّ؛ لأنَّ حَديثَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها صَريحٌ فيه: «لا قَطعَ إلَّا في رُبعِ دينارٍ فصاعِدًا»، وأمَّا الحَديثُ الآخَرُ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطَع في مِجَنٍّ قيمتُه ثَلاثةُ دَراهمَ، فهذا مَحمولٌ على أنَّ ثَلاثةَ الدَّراهمِ تُساوي رُبعَ دينارٍ في ذلك الوقتِ، والدِّينارُ اثنا عَشَرَ دِرهَمًا مِنَ الفِضَّةِ، وهذا القَولُ أصَحُّ). ((الشرح الممتع)) (14/336). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا تُقطَعُ يَدُ السَّارِقُ إلَّا في رُبعِ دينارٍ فصاعِدًا)) [1320] أخرجه البخاري (6790)، ومسلم (1684) واللَّفظُ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ صَريحُ الدَّلالةِ في اعتِبارِ رُبعِ الدِّينارِ نِصابًا للقَطعِ في السَّرِقةِ [1321] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 110)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/336). .

انظر أيضا: