الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: عَفوُ المَقذوفِ عنِ القاذِفِ


يَسقُطُ حَدُّ القَذفِ عنِ القاذِفِ إذا عَفا المَقذوفُ عنه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [986] ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 305)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/332). ، والشَّافِعيَّةِ [987] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 120)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 437). ، والحَنابِلةِ [988] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 353)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 195). ، ورُوِيَ عن أبي يوسُفَ، وقال به بَعضُ الحَنَفيَّةِ [989] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/39). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَطَبَ النَّاسَ يَومَ النَّحرِ فقال: ((يا أيُّها النَّاسُ، أيُّ يَومٍ هذا؟ قالوا: يَومٌ حَرامٌ، قال: فأيُّ بَلدٍ هذا؟ قالوا: بَلدٌ حَرامٌ، قال: فأيُّ شَهرٍ هذا؟ قالوا: شَهرٌ حَرامٌ، قال: فإنَّ دِماءَكُم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكُم حَرامٌ كحُرمةِ يَومِكُم هذا، في بَلدِكُم هذا، في شَهرِكُم هذا، فأعادَها مِرارًا، ثُمَّ رَفعَ رَأسَه، فقال: اللهُمَّ هل بَلَّغتُ، اللهُمَّ هل بَلَّغتُ. قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: فوالذي نَفسي بيَدِه إنَّها لوصيَّتُه إلى أُمَّتِه، فليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، لا تَرجِعوا بَعدي كُفَّارًا، يَضرِبُ بَعضُكُم رِقابَ بَعضٍ)) [990] أخرجه البخاري (1739). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أضاف العِرْضَ إلينا، وحَدُّ القَذفِ إنَّما يَجِبُ بتَناوُلِ العِرضِ، فإذا كان العِرضُ للمَقذوفِ وجَبَ أن يَكونَ ما تَرَتَّبَ عليه مِن مُطالَبةٍ بحَدٍّ أو عَفوِ عنه حَقًّا له؛ قياسًا على المالِ والدَّمِ [991] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (12/ 417). .
ثانيًا: أنَّه حَقٌّ يَتَوقَّفُ استيفاؤُه على مُطالَبةِ الآدَميِّ به، فكان حَقًّا له كَسائِرِ حُقوقِه [992] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (9/353). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (12/418). ، يَملِكُ العَفوَ عنه.
ثالِثًا: لأنَّ القَذفَ جِنايةٌ على عِرضِ المَقذوفِ بالتَّعَرُّضِ، وعِرضُه حَقُّه بدَليلِ أنَّ بَدَلَ نَفسِه حَقُّه، وهو القِصاصُ في العَمدِ، أوِ الدِّيةُ في الخَطَأِ، فكان بَدَلُ عِرضِه حَقَّه [993] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 56). .

انظر أيضا: