الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: أن يَكونَ المَقذوفُ مُسلِمًا


يُشتَرَطُ لإقامةِ الحَدِّ على القاذِفِ أن يَكونَ المَقذوفُ مُسلِمًا، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [920] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 200)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 34). ، والمالِكيَّةِ [921] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 326)، ((منح الجليل)) لعليش (9/ 269). ، والشَّافِعيَّةِ [922] ((روضة الطالبين)) للنووي (8/ 321)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/ 371). ، والحَنابِلةِ [923] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 402 -403)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 203). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [924] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (إجماعُهم أنَّه ليس على مَن قَذَف ذِمِّيَّةً أو مَملوكةً حَدٌّ). ((الاستذكار)) (6/ 106). وقال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (وأمَّا المَقذوفُ فاتَّفقوا على أنَّ مِن شَرطِه أن يَجتَمِعَ فيه خَمسةُ أوصافٍ، وهيَ: البُلوغُ، والحُرِّيَّةُ، والعَفافُ، والإسلامُ، وأن يَكونَ مَعَه آلةُ الزِّنا، فإنِ انخَرَمَ مِن هذه الأوصافِ وصفٌ لم يَجِبِ الحَدُّ). ((بداية المجتهد)) (2/ 362). وقال بَهاءُ الدِّينِ المَقدسيُّ: (والمُحصَنُ مَن وُجِدَت فيه خَمسُ شَرائِطَ: أن يَكونَ حُرًّا، مُسلِمًا، عاقِلًا، بالِغًا، عَفيفًا، وهذا إجماعٌ، وبِه يَقولُ جُملةُ العُلَماءِ قديمًا وحَديثًا). ((العدة شرح العمدة)) (ص: 599). وقال ابنُ القَطَّانِ: (لم يَختَلِفوا أنَّ مَن قَذَف مَملوكةً أو كافِرةً أنَّه لا يُحَدُّ للقَذفِ). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/ 248). وقال العَينيُّ: (أن يَكونَ المَقذوفُ حُرًّا، عاقِلًا، بالِغًا، مُسلِمًا، عَفيفًا عن فِعلِ الزِّنا، هذا باتِّفاقِ العُلَماءِ). ((البناية)) (6/ 364). وقال ابنُ الهُمامِ: (قَولُه: ومَن قَذَف عَبدًا أو أَمَةً أو أمَّ وَلَدٍ أو كافِرًا بالزِّنا عُزِّرَ) بالإجماعِ، إلَّا على قَولِ داودَ في العَبدِ؛ فإنَّه يُحَدُّ به. وقَول ابنِ المُسَيِّبِ في الذِّمِّيَّةِ التي لَها ولَدٌ مُسلِمٌ، قال: يُحَدُّ بهـ). ((فتح القدير)) (5/346). وخالَف في ذلك ابنُ حَزمٍ فقال بوُجوبِ الحَدِّ على مَن قَذَف كافِرًا. يُنظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 134)، ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 224). وقال ابنُ المُسَيِّبِ وابنُ أبي لَيلى: يُقامُ الحَدُّ على مَن قَذَف ذِمِّيَّةً لَها ولَدٌ مُسلِمٌ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 83)، ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (10/211). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 23] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه تعالى: الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ دَلالةٌ على أنَّ الإيمانَ والعِفَّةَ عنِ الزِّنا في المَقذوفِ شَرطٌ لإقامةِ الحَدِّ على مَن قَذَفه [925] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/40- 41).  .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
 عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: (مَن أَشرَكَ باللهِ فليس بمُحصَنٍ) [926] أخرجه من طرق: ابن أبي شيبة (29349)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (11/446)، والبيهقي (17019). وثق رجاله شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (11/446)، وقال الدارقطني كَما في ((السنن الصغير)) (3/295): رَفعُه وَهمٌ، ورويَ مِن وجهٍ آخَرَ مَرفوعًا، والصَّوابُ وَقفُه، وقال البَيهَقيُّ: رَفعُه وَهمٌ، والصَّوابُ المَوقوفُ، وذَكَرَ ابنُ الجَوزيِّ كما في ((تنقيح التحقيق)) لمحمد ابن عبد الهادي (4/516)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيهـ)) (2/354): الصَّحيحُ أنَّه مَوقوفٌ على ابنِ عُمَرَ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الأثَرُ يَدُلُّ على أنَّ إسلامَ المَقذوفِ شَرطٌ في الإحصانِ الموجِبِ للحَدِّ على القاذِفِ [927] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 41).  .
ثالِثًا: أنَّه كَما لا تُؤخَذُ نَفسُ المُسلِمِ بنَفسِ الكافِرِ، فكَذا لا يُؤخَذُ عِرضُه بعِرضِه [928] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/ 256).  .
رابِعًا: أنَّ الحَدَّ إنَّما وجَبَ بالقَذفِ دَفعًا لعارِ الزِّنا عنِ المَقذوفِ، وما في الكافِرِ مِن عارِ الكُفرِ أعظَمُ [929] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 41).  .

انظر أيضا: