الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: تَأجيلُ الحَدِّ على الحامِلِ


لا يُقامُ الحَدُّ على الحامِلِ حتَّى تَضَعَ [685] وهذا الحكم عام؛ سواء كان ذلك الحد رجمًا، أو جلدًا. .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ الحَملَ لَه حَقٌّ وحُرمةٌ، ولا يَجوزُ قَتلُه تَبَعًا لأُمِّه؛ لعُمومِ الآيةِ.
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ بُرَيدةَ عن أبيه: ((أنَّ ماعِزَ بنَ مالِكٍ الأسلَميَّ رَضِيَ اللهُ عنه أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد ظَلمتُ نَفسي وزنَيتُ، وإنِّي أريدُ أن تُطهِّرَني، فردَّه، فلمَّا كان مِن الغَدِ أتاه، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد زنَيتُ، فردَّه الثَّانيةَ، فأرسَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى قومِه، فقال: أتعلَمونَ بعَقلِه بأسًا، تُنكِرونَ منه شيئًا؟ فقالوا: ما نعلَمُه إلَّا وَفيَّ العقلِ، مِن صالِحينا، فيما نُرى، فأتاه الثَّالثةَ، فأرسَل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبَروه أنَّه لا بأسَ به ولا بعَقلِه، فلمَّا كان الرَّابِعةَ حَفَر له حُفرةً، ثُمَّ أمَر به فرُجِم، قال: فجاءت الغامِديَّةُ، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد زنَيتُ فطهِّرْني، وإنَّه ردَّها، فلمَّا كان الغَدُ قالت: يا رسولَ اللهِ، لِمَ ترَدُّني؟ لعلَّك أن ترُدَّني كما رددْتَ ماعِزًا! فواللهِ إنِّي لحُبلى، قال: إمَّا لا فاذهَبي حتَّى تَلدي، فلمَّا ولَدَت أتَته بالصَّبيِّ في خِرقةٍ، قالت: هذا قد ولَدْتُه، قال: اذهَبي فأرضِعيه حتَّى تفطِميه، فلمَّا فطمَتْه أتَته بالصَّبيِّ في يدِه كِسرةُ خُبزٍ، فقالت: هذا يا نَبيَّ اللهِ قد فطَمْتُه، وقد أكَل الطَّعامَ، فدفَع الصَّبيَّ إلى رجُلٍ مِن المُسلِمينَ، ثُمَّ أمَر بها، فحُفِر لها إلى صَدرِها، وأمَر النَّاسَ فرجَموها... )) [686] أخرجه مسلم (1695). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُقِمِ الحَدَّ عليها وهيَ حُبلى [687] ((المغني)) لابن قدامة (9/ 46). .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [688] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ المَرأةَ إذا اعتَرَفت بالزِّنا وهيَ حامِلٌ أنَّه لا تُرجَمُ حتَّى تَضَعَ حَملَها). ((الإجماع)) (ص: 125). ، وابنُ بَطَّالٍ [689] قال ابنُ بَطَّالٍ: (أجمَعَ العُلَماءُ أنَّ الحُبلى مِنَ الزِّنا لا رَجمَ عليها حتَّى تَضَعَ). ((شرح صحيح البخاري)) (8/ 456). ، وابنُ حَزمٍ [690] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ الحَدَّ لا يُقامُ عليها وهيَ حُبلى). ((مراتب الإجماع)) (ص: 131). ، وابنُ قُدامةَ [691] قال ابنُ قُدامةَ: (لا يُقامُ الحَدُّ على حامِلٍ حتَّى تَضَعَ، سَواءٌ كان الحَملُ مِن زِنًا أو غَيِره، لا نَعلَمُ في هذا خِلافًا). ((المغني)) (9/46). وقال في كَونِ الحامِلِ لا يُقتَصُّ مِنها حتَّى تَضَعَ: (هذا إجماعٌ مِن أهلِ العِلمِ، لا نَعلَمُ بَينَهم فيه اختِلافًا). ((المغني)) (8/ 343). ، وابنُ القَطَّانِ [692] قال ابنُ القَطَّانِ: (اتَّفقوا أنَّ الحَدَّ لا يُقامُ على الزَّانيةِ وهيَ حُبلى). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/ 254). ، والنَّوويُّ [693] قال النَّوويُّ: (لا تُرجَمُ الحُبلى حتَّى تَضَعَ، سَواءٌ كان حَملُها مِن زِنًا أو غَيرِه، وهذا مُجمَعٌ عليه؛ لئَلَّا يُقتَلَ جَنينُها، وكَذا لَو كان حَدُّها الجَلدَ وهيَ حامِلٌ لم تُجلَدْ بالإجماعِ حتَّى تَضَعَ). ((شرح صحيح مسلم)) (11/ 201). .
رابِعًا: أنَّ في إقامةِ الحَدِّ على الحامِلِ تَسَبُّبًا بإهلاكِ الحَملِ بغَيرِ حَقٍّ، وقَتلٍ للبَريءِ مِنَ الذَّنبِ [694] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 59)، ((شرح المشكاة)) للطيبي (8/2519-2520). .

انظر أيضا: