الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ التَّاسِعُ: إقامةُ الحَدِّ في المَساجِدِ


لا يَجوزُ إقامةُ الحَدِّ في المَساجِدِ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [674] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 171)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 43 -44). ، والمالِكيَّةِ [675] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 137)، ((منح الجليل)) لعليش (8/ 287). ، والشَّافِعيَّةِ [676] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 173)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 191). ، والحَنابِلةِ [677] ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (7/ 401)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 337). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [678] قال الجَوهَريُّ: (أجمَعَ الفُقَهاءُ أنَّه لا يَنبَغي للحاكِمِ أن يَضرِبَ أحَدًا في المَسجِدِ، إلَّا ابنَ أبي لَيلى رَضِيَ اللهُ عنه؛ فإنَّه أباحَه وفعَلَهـ). ((نوادر الفقهاء)) ((ص 182). وقال ابن الهمام: (لا يقام حد في مسجد بإجماع الفقهاء). ((فتح القدير)) (5/ 235). لَكِن خالَف في ذلك ابنُ أبي لَيلى وابنُ حَزمٍ، قال ابنُ حَزمٍ: (ومِمَّن قال بإقامةِ الحُدودِ بالجَلدِ في المَساجِدِ: ابنُ أبي لَيلى، وغَيرُه، وبِه نَأخُذُ). ((المحلى)) (11/ 124). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه [النُّور: 36]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المَساجِدَ بُنيَت لذِكرِ اللهِ، ويَنبَغي أن تُصانَ، وفي إقامة الحَدِّ فيها إهانةٌ لَها [679] يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (8/ 287). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَجُلًا مِن أسلَمَ يُقالُ له ماعِزُ بنُ مالِكٍ، أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي أصَبتُ فاحِشةً، فأقِمْه عليَّ، فرَدَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِرارًا، قال: ثُمَّ سَألَ قَومَه، فقالوا: ما نَعلَمُ به بَأسًا، إلَّا أنَّه أصابَ شَيئًا يَرى أنَّه لا يُخرِجُه منه إلَّا أن يُقامَ فيه الحَدُّ، قال: فرَجَعَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَرَنا أن نَرجُمَه، قال: فانطَلَقنا به إلى بَقيعِ الغَرقَدِ، قال: فما أوثَقناه ولا حَفَرنا له، قال: فرَمَيناه بالعَظمِ والمَدَرِ والخَزَفِ، قال: فاشتَدَّ واشتَدَدنا خَلفَه حتَّى أتى عُرضَ الحَرَّةِ، فانتَصَبَ لنا فرَمَيناه بجَلاميدِ الحَرَّةِ -يَعني الحِجارةَ- حتَّى سَكَتَ، قال: ثُمَّ قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَطيبًا مِنَ العَشيِّ، فقال: أوَكَلَّما انطَلَقنا غُزاةً في سَبيلِ اللهِ تَخَلَّف رَجُلٌ في عِيالِنا، لَه نَبيبٌ كنَبيبِ التَّيسِ؟! عَليَّ أن لا أُوتى برَجُلٍ فَعَل ذلك إلَّا نَكَّلتُ به، قال: فما استَغفرَ لَه ولا سَبَّهـ)) [680] أخرجه مسلم (1694). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((فانطَلَقنا به إلى بَقيعِ الغَرقَدِ)) فيه دَلالةٌ على أنَّهم أقاموا الحَدَّ خارِجَ المَسجِدِ [681] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (12/ 11)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 43 -44). .
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن طارِقِ بنِ شِهابٍ، قال: أُتيَ عُمَرُ برَجُلٍ في شَيءٍ، فقال: أخرِجاه مِنَ المَسجِدِ فاضرِباه [682] أخرجه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجَزمِ قَبلَ حَديث (7167)، وأخرجه مَوصولًا عَبدُ الرَّزَّاق (1706) واللَّفظُ له، وابنُ أبي شَيبة (29240). صَحَّحه ابنُ حَزمٍ في ((المحلى)) (11/123)، وصَحَّحَ سَنَدَه شُعَيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (6/541)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/167)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (4/49): إسنادُه على شَرطِ الشَّيخَينِ. .
رابِعًا: أنَّ تَعظيمَ المَسجِدِ واجِبٌ، وفي إقامةِ الحُدودِ فيه تَركٌ لتَعظيمِه [683] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/ 157). .
خامِسًا: أنَّه لا يُؤمَنُ عِندَ إقامةِ الحَدِّ في المَسجِدِ مِن تَلويثِه، والمَسجِدُ يُصانُ عن ذلك [684] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 337). .

انظر أيضا: