الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: تَأجيلُ الحَدِّ بسَبَبِ الحَرِّ والبَردِ الشَّديدَينِ


اختَلَف الفُقَهاءُ في تَأجيلِ الجَلدِ بسَبَبِ الحَرِّ والبَردِ الشَّديدَينِ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُؤَجَّلُ الجَلدُ بسَبَبِ الحَرِّ والبَردِ الشَّديدَينِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [735] واختَلَف أصحابُ هذا القَولِ في حُكمِ التَّأجيلِ؛ فيَرى الحَنَفيَّةُ والمالِكيَّةُ وُجوبَه، ويَرى الشَّافِعيَّةُ استِحبابَه. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/59)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/331)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 296). : الحَنَفيَّةِ [736] ((البناية)) للعيني (6/338)، ((الفتاوى الهندية)) (3 / 147). ، والمالِكيَّةِ [737] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (8/143)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/322). ، والشَّافِعيَّةِ [738] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/160)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 296). ؛ وذلك لأنَّ الحَدَّ إنَّما يُقامُ على وجهٍ يَكونُ زاجِرًا لا مُتلِفًا [739] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 118)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 434). .
القَولُ الثَّاني: لا يُؤَجَّلُ الجَلدُ بسَبَبِ الحَرِّ والبَردِ الشَّديدَينِ [740] فإن كان لا يُطيقُ الضَّربَ وخُشيَ عليه مِنَ السَّوطِ أُقيمَ عليه الحَدُّ بأطرافِ الثِّيابِ وبِالغُصنِ الصَّغيرِ وشِمراخِ النَّخلِ. والشِّمراخُ: هو الغُصنُ الذي عليه البُسرُ أوِ الرُّطَبُ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/10)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/322). ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [741] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 82)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 164).  ، ومُقتَضى قَولِ ابنِ حَزمٍ [742] ابنُ حَزمٍ يَرى عَدَمَ تَأجيلِ حَدِّ الجَلدِ بسَبَبِ المَرَضِ، ومِن بابِ أَولى إذا كان بسَبَبِ الحَرِّ والبَردِ، قال ابنُ حَزمٍ: (المَريضُ إذا أصابَ حَدًّا مِن زِنًا أو قَذفٍ أو خَمرٍ، لا بُدَّ فيه مِن أحَدِ أمرَينِ لا ثالِثَ لَهما: إمَّا أن يُعَجَّلَ له الحَدُّ، وإمَّا أن يُؤَخَّرَ عنه؟ فإن قالوا: يُؤَخَّرُ، قُلنا لَهم: إلى مَتى؟ فإن قالوا: إلى أن يَصِحَّ، قُلنا لَهم: ليس لهذا أمَدٌ مَحدودٌ، وقد تَتَعَجَّلُ الصِّحَّةُ، وقد تُبطِئُ عنه، وقد لا يَبرَأُ، فهذا تَعطيلٌ للحُدودِ، وهذا لا يَحِلُّ أصلًا؛ لأنَّه خِلافُ أمرِ اللهِ تعالى في إقامةِ الحُدودِ، فلم يَبقَ إلَّا تَعجيلُ الحَدِّ، كَما قُلنا نَحنُ، ويُؤَكِّدُ ذلك قَولُ اللهِ تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم [آل عمران: 133] ، فصَحَّ أنَّ الواجِبَ أن يُجلَدَ كُلُّ واحِدٍ على حَسَبِ وُسعِه الذي كَلَّفه اللَّهُ تعالى أن يَصبِرَ له، فمَن ضَعُف جِدًّا جُلِدَ بشِمراخٍ فيه مِائةُ عُثكولٍ جَلدةً واحِدةً، أو فيه ثَمانونَ عِثكالًا،  وكذلك يُجلَدُ في الخَمرِ، وإنِ اشتَدَّ ضَعفُه بطَرَفِ ثَوبٍ على حَسَبِ طاقةِ كُلِّ أحَدٍ، ولا مَزيدَ. وبِهذا نَقولُ ونَقطَعُ أنَّه الحَقُّ عِندَ اللهِ تعالى بيَقينٍ، وما عَداه فباطِلٌ عِندَ اللهِ تعالى). ((المحلى بالآثار)) (12/ 91). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمَرتُكُم بأمرٍ فأْتُوا مِنه ما استَطَعتُم... )) [743] رواه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337). .
ثانيًا: أنَّ الحَدَّ يَجِبُ على الفورِ، ولا يُؤَخَّرُ ما أوجَبَه اللهُ بغَيرِ حُجَّةٍ [744] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 82)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/ 164).  .

انظر أيضا: