الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الخامِسةُ: مَن يَبدَأُ بالرَّجمِ؟


يُستَحَبُّ أن يَبدَأَ الشُّهودُ بالرَّجمِ إن كان الزِّنا ثابِتًا ببَيِّنةٍ، وأن يَبدَأَ الإمامُ بالرَّجمِ إن كان الزِّنا ثابِتًا بإقرارٍ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [659] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 99)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 115)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 432). ، والحَنابِلةِ [660] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 373)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 162)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 84). ، وقد نُفيَ العِلمُ بالخِلافِ في ذلك [661] قال ابنُ قُدامةَ: (قال أحمَدُ: سُنَّةُ الاعتِرافِ أن يَرجُمَ الإمامُ ثُمَّ النَّاسُ، ولا نَعلَمُ خِلافًا في استِحبابِ ذلك). ((المغني)) (9/ 46). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ [662] قال الشِّنقيطيُّ بَعدَ أن ساقَ رِواياتِ قِصَّةِ شُراحةَ: (وهذه الرِّواياتُ يُعَضِّدُ بَعضُها بَعضًا، وهيَ تَدُلُّ على أنَّ عَليًّا كان يَقولُ ببداءةِ الإمامِ في الإقرارِ، وبداءةِ الشُّهودِ في البَيِّنةِ، وإن كان له حُكمُ الرَّفعِ فالأمرُ واضِحٌ، وإن كان له حُكمُ الوقفِ فهيَ فتوى وفِعلٌ مِن خَليفةٍ راشِدٍ، ولم يُعلَمْ أنَّ أحَدًا أنكَرَ عليهـ). ((أضواء البيان)) (5/407).
عن عامِرٍ الشَّعبيِّ، قال: (كان لشُراحةَ زَوجٌ غائِبٌ بالشَّامِ، وإنَّها حَمَلَت، فجاءَ بها مَولاها إلى عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، فقال: إنَّ هذه زَنَت، فاعتَرَفت، فجَلَدَها يَومَ الخَميسِ مِائةً، ورَجَمها يَومَ الجُمُعةِ، وحَفَر لَها إلى السُّرَّةِ وأنا شاهِدٌ، ثُمَّ قال: إنَّ الرَّجمَ سُنَّةٌ سَنَّها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَو كان شَهِد على هذه أحَدٌ لكان أوَّلَ مَن يَرمي، الشَّاهِدُ يَشهَدُ، ثُمَّ يُتبِعُ شَهادَتَه حَجَرَه، ولَكِنَّها أقَرَّت، فأنا أوَّلُ مَن رَماها، فرَماها بحَجَرٍ، ثُمَّ رَمى النَّاسُ، وأنا فيهم...) [663] أخرجه أحمد (978) واللفظ له، وعبد الرزاق (13350). صَحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (978)، وحَسَّن إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/207). وأخرجه من طريق آخر البيهقي (17044)، والخطيب في ((الأسماء المبهمة)) (2/139)، ولَفظُ البَيهَقيِّ: عنِ الأجلَحِ، عنِ الشَّعبيِّ، قال: جيءَ بشُراحةَ الهَمَدانيَّةِ إلى عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال لَها: وَيلَك، لَعَلَّ رَجُلًا وقَعَ عليك وأنتَ نائِمةٌ. قالت: لا. قال: لَعَلَّك استَكرَهَك. قالت: لا. قال: لَعَلَّ زَوجَك مِن عَدوِّنا هذا أتاك، فأنتَ تكرهين أن تدلي عليه. يُلَقِّنُها لَعَلَّها تَقولُ: نَعَم. قال: فأمَرَ بها فحُبِسَت، فلَمَّا وضَعَت ما في بَطنِها أخرَجَها يَومَ الخَميسِ فضَرَبَها مِائةً، وحَفرَ لَها يَومَ الجُمُعةِ في الرَّحبةِ، وأحاطَ النَّاسُ بها وأخَذوا الحِجارةَ، فقال: ليس هَكَذا الرَّجمُ؛ إذَن يُصيبُ بَعضُكُم بَعضًا، صُفُّوا كَصَفِّ الصَّلاةِ صَفًّا خَلفَ صَفٍّ. ثُمَّ قال: أيُّها النَّاسُ، أيُّما امرَأةٍ جيءَ بها، بها حَبَلٌ يَعني أوِ اعتَرَفت، فالإمامُ أوَّلُ مَن يَرجُمُ، ثُمَّ النَّاسُ، وأيُّما امرَأةٍ جيءَ بها أو رَجُلٌ زانٍ فشَهدَ عليه أربَعةٌ بالزِّنا، فالشُّهودُ أوَّلُ مَن يَرجُمُ، ثُمَّ الإمامُ ثُمَّ النَّاسُ. جَوَّد إسنادَه الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (7/8) وقال: رِجالُه ثِقاتٌ، رِجالُ الصَّحيحِ، غَيرَ الأجلحِ، وهو صَدوقٌ. وأخرجه مِن طَريقٍ آخَرَ: عَبدُ الرَّزَّاق (13350) ولَفظُه: عن أبي جُحَيفةَ أنَّ الشَّعبيَّ أخبَرَه أنَّ عَليًّا أُتيَ بامرَأةٍ مِن هَمدانَ حُبلى، يُقالُ لَها شُراحةُ، قد زَنَت. فقال لَها عليٌّ: «لَعَلَّ الرَّجُلَ استَكرَهَك؟» قالت: لا. قال: «فلَعَلَّ الرَّجُلَ قد وقَعَ عليك، وأنتَ راقِدةٌ؟» قالت: لا. قال: «فلَعَلَّ لَك زَوجًا مِن عَدوِّنا هؤلاء وأنتِ تَكتُمينَه؟» قالت: لا. فحَبَسَها حتَّى إذا وضَعَت جَلَدها يَومَ الخَميسِ مِائةَ جَلدةٍ، ورَجمَها يَومَ الجُمعةِ، فأمَرَ فحُفِرَ لَها حُفرةٌ بالسُّوقِ، فدار النَّاسُ عليها -أو قال: بها- فضَرَبَهم بالدِّرَّةِ، ثُمَّ قال: «ليس هَكَذا الرَّجمُ، إنَّكُم إن تَفعَلوا هذا يَفتِكْ بَعضُكُم بَعضًا، ولَكِن صُفُّوا كَصُفوفِكُم للصَّلاةِ»، ثُمَّ قال: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يَرجُمُ الزَّانيَ: الإمامُ إذا كان الاعتِرافُ، وإذا شَهدَ أربَعةُ شُهَداءَ على الزِّنا أوَّلُ النَّاسِ يَرجُمُ الشُّهودُ بشَهادَتِهم عليه، ثُمَّ الإمامُ، ثُمَّ النَّاسُ، ثُمَّ رَماها بحَجَرٍ وكَبَّر،" ثُمَّ أمَرَ الصَّفَّ الأوَّلَ فقال: «ارموا»، ثُمَّ قال: انصَرِفوا، وكذلك صَفًّا صَفًّا حتَّى قَتَلوها. والأثَرُ أصلُه في صَحيح البخاري (6812) مُختَصَرًا، ليس فيه الحَفرُ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأثَرَ صَريحٌ فيما إذا ثَبَتَ حَدُّ الرَّجمِ بإقرارٍ فأوَّلُ مَن يَرجُمُ الإمامُ، ثُمَّ النَّاسُ، وما ثَبَتَ مِنه ببَيِّنةٍ فأوَّلُ مَن يَرجُمُ البَيِّنةُ، ثُمَّ الإمامُ ثُمَّ النَّاسُ [664] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 168).  .
ثانيًا: أنَّ إيجابَ الرَّجمِ على الشُّهودِ أوَّلًا يَستَبعِدُ احتِمالَ اتِّهامِهم بالكَذِبِ في شَهادَتِهم [665] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 84).  .
ثالِثًا: أنَّ الشَّاهدَ رُبَّما يَتَجاسَرُ على الشَّهادةِ ثُمَّ يَستَعظِمُ مُباشَرةَ الحَدِّ، فيَأبى أو يَرجِعُ عن شَهادَتِه، فكان في بداءَتِه احتيالٌ لدَرءِ الحَدِّ [666] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 168).  .

انظر أيضا: