الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الأولى: رَجمُ الرَّجُلِ قائِمًا


يُرجَمُ الرَّجُلُ قائِمًا، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [623] ((المبسوط)) للسرخسي (9/43). ، والحَنابِلةِ [624] ((المغني)) لابن قدامة (9/ 36). ، وهو اختيارُ ابنِ عَبدِ البَرِّ [625] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (قال أبو عُمَرَ: في حَديثِ ابنِ عُمَرَ في رَجمِ اليَهوديَّينِ ما يَدُلُّ على أنَّ الرَّجُلَ كان قائِمًا، والمَرأةُ قاعِدةٌ؛ لقَولِه فيه: فرَأيتُ الرَّجُلَ يَحني على المَرأةِ يَقيها الحِجارةَ. وما جاءَ عن عُمَرَ وعَليٍّ في ضَربِ الأعضاءِ ما يَدُلُّ على القيامِ). ((الاستذكار)) (7/499). ، والصَّنعانيِّ [626] قال الصَّنعانيُّ: (الحَديثُ دَليلٌ على وُجوبِ الرَّجمِ، وتَقدَّم الكَلامُ فيه، وأمَّا شَدُّ ثيابِها عليها فلِأجلِ أن لا تَكَشَّفَ عِندَ اضطِرابِها مِن مَسِّ الحِجارةِ، واتَّفقَ العُلَماءُ أنَّها تُرجَمُ المَرأةُ قاعِدةً والرَّجُلُ قائِمًا، إلَّا عِندَ مالِكٍ، فقال: قاعِدًا). ((سبل السلام)) (4/11). ، ونُسِبَ للجُمهورِ [627] قال النَّوويُّ: (اتَّفقَ العُلَماءُ على أنَّه لا تُرجَمُ إلَّا قاعِدةً، وأمَّا الرَّجُلُ فجُمهورُهم على أنَّه يُرجَمُ قائِمًا، وقال مالِكٌ: قاعِدًا، وقال غَيرُه: يُخَيَّرُ الإمامُ بَينَهما). ((شرح النووي على مسلم)) (11/205). ، وقد نُفيَ العِلمُ بالخِلافِ في ذلك [628] قال ابنُ قُدامةَ: (إذا كان الزَّاني رَجُلًا أُقيمَ قائِمًا، ولم يوثَقْ بشَيءٍ، ولم يُحفَرْ له، سَواءٌ ثَبَتَ الزِّنا ببَيِّنةٍ أو إقرارٍ، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا). ((المغني)) (9/36). .
الأدِلَّةِ مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَجُلًا مِن أسلَمَ يُقالُ له ماعِزُ بنُ مالِكٍ، أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي أصَبتُ فاحِشةً، فأقِمْه عليَّ، فرَدَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِرارًا، قال: ثُمَّ سَألَ قَومَه، فقالوا: ما نَعلَمُ به بَأسًا، إلَّا أنَّه أصابَ شَيئًا يَرى أنَّه لا يُخرِجُه منه إلَّا أن يُقامَ فيه الحَدُّ، قال: فرَجَعَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَرَنا أن نَرجُمَه، قال: فانطَلَقنا به إلى بَقيعِ الغَرقَدِ، قال: فما أوثَقناه ولا حَفَرنا له، قال: فرَمَيناه بالعَظمِ والمَدَرِ والخَزَفِ، قال: فاشتَدَّ واشتَدَدنا خَلفَه حتَّى أتى عُرضَ الحَرَّةِ، فانتَصَبَ لنا فرَمَيناه بجَلاميدِ الحَرَّةِ -يَعني الحِجارةَ- حتَّى سَكَتَ، قال: ثُمَّ قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَطيبًا مِنَ العَشيِّ، فقال: أوكَلَّما انطَلَقنا غُزاةً في سَبيلِ اللهِ تَخَلَّف رَجُلٌ في عِيالِنا، لَه نَبيبٌ كنَبيبِ التَّيسِ؟! عَليَّ أن لا أُوتى برَجُلٍ فَعَل ذلك إلَّا نَكَّلتُ به، قال: فما استَغفرَ لَه ولا سَبَّهـ)) [629] أخرجه مسلم (1694). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ الزَّانيَ المُحصَنَ يُرجَمُ قائِمًا؛ لأنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم فعَلوا ذلك بمَحضَرِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولَم يُنكِرْ عليهم [630] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 36). .
2- عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ اليُهودَ جاؤوا إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذَكَروا له أنَّ رَجُلًا مِنهم وامرَأةً زَنيا، فقال لهم رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما تَجِدونَ في التَّوراةِ في شَأنِ الرَّجمِ؟ فقالوا: نَفضَحُهم ويُجلَدونَ، فقال عَبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ: كذَبتُم، إنَّ فيها الرَّجمَ، فأتَوا بالتَّوراةِ فنَشَروها، فوَضَع أحَدُهم يَدَه على آيةِ الرَّجمِ، فقَرَأ ما قَبلَها وما بعدَها، فقال له عَبدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ: ارفَعْ يَدَك، فرَفعَ يَدَهُ فإذا فيها آيةُ الرَّجمِ! فقالوا: صَدَق يا مُحَمَّدُ، فيها آيةُ الرَّجمِ، فأمرَ بهما رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرُجِما. قال عَبدُ اللَّهِ: فرَأيتُ الرَّجُلَ يَجنَأُ على المَرأةِ يَقيها الحِجارةَ)) [631] أخرجه البخاري (3635) واللفظ له، ومسلم (1699). .    
وَجهُ الدَّلالةِ:
انحِناءُ الرَّجُلِ على المَرأةِ ليَقيَها الحِجارةَ دَليلٌ على أنَّ الرَّجُلَ كان قائِمًا، وأنَّها كانت قاعِدةً [632] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) (12/ 80). .

انظر أيضا: