الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّالثةُ: مِن شُروطِ الإحصانِ: أن يَطَأَ في نِكاحٍ صحيحٍ


يُشتَرَطُ للإحصانِ النِّكاحُ، وأن يَكونَ النِّكاحُ صَحيحًا [329] أمَّا إن كان النِّكاحُ فاسِدًا فلا يُعتَبَرُ صاحِبُه مُحْصَنًا. ولم يُخالِفْ في ذلك إلَّا أبو ثَورٍ، واللَّيثُ، والأوزاعيُّ، فيَرَونَ أنَّه يَصيرُ مُحْصَنًا بالنِّكاحِ الفاسِدِ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 41)، ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 117). ، وأن يَطَأَ [330] فالزَّاني الذي لم يَتَزَوَّجْ لا يَكونُ مُحْصَنًا، أو هو مُتَزَوِّجٌ في نِكاحٍ صحيحٍ لكِنَّه لم يَطَأْ زَوجَتَه بتَغييبِ حَشَفتِه في فرجِها، فهذا أيضًا لا يُعَدُّ مُحْصَنًا، وكذلك مَن وَطِئَ في مِلكِ يَمينٍ، أو وَطْءَ شُبهةٍ لا يُعَدُّ مُحْصَنًا.  فيه.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خُذوا عنِّي، خُذوا عنِّي، قد جَعَل اللهُ لهنَّ سَبيلًا: البِكرُ بالبِكرِ جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ جَلدُ مِائةٍ والرَّجمُ)) [331] أخرجه مسلم (1690). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ)) والثُّيوبةُ لا تَكونُ إلَّا بالدُّخولِ [332] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/ 39).  .
2- عَن أبي هُرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهما قالا: ((إنَّ رَجُلًا مِنَ الأعرابِ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللهِ، أنشُدُك اللَّهَ إلَّا قَضَيتَ لي بكِتابِ اللهِ. فقال الخَصمُ الآخَرُ -وهو أفقَهُ مِنه-: نَعَمْ، فاقضِ بَينَنا بكِتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: قُلْ، قال: إنَّ ابني كان عَسيفًا على هذا، فزَنى بامرَأتِه، وإنِّي أُخبِرتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ، فافتَدَيتُ مِنه بمِائةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسَألتُ أهلَ العِلمِ فأخبَروني أنَّما على ابني جَلْدُ مِائةٍ، وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرَأةِ هذا الرَّجمَ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نَفسي بيَدِه لأقضيَنَّ بَينَكُما بكِتابِ اللهِ، الوليدةُ والغَنَمُ رَدٌّ، وعلى ابنِك جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، واغْدُ يا أُنَيسُ إلى امرَأةِ هذا، فإنِ اعتَرَفت فارجُمْها، قال: فغَدا عليها فاعتَرَفَت، فأمَر بها رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فرُجِمَت)) [333] أخرجه البخاري (6827، 6828)، ومسلم (1697، 1698) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
نَصَّ الحَديثُ على رَجمِ الثَّيِّبِ [334] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/ 451).  ، والثُّيوبةُ لا تَكونُ إلَّا بالدُّخولِ.
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [335] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ المَرءَ لا يَكونُ بعَقدِ النِّكاحِ مُحْصَنًا حتَّى يَكونَ مَعَه الوَطءُ). ((الإجماع)) (ص: 129). وقال: (أجمَعوا على أنَّ الرَّجُلَ وإن عَقدَ النِّكاحَ فلا يَكونُ مُحْصَنًا حتَّى يَدخُلَ بها ويُصيبَها). ((الإجماع)) (ص: 9). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [336] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (قالوا جَميعًا: الوطءُ الفاسِدُ لا يَقَعُ به إحصانٌ). ((الاستذكار)) (7/ 485). ، وابنُ حَزمٍ [337] قال ابنُ حَزمٍ: (ما نَعلمُ الإحصانَ في اللُّغةِ العَرَبيَّةِ والشَّريعةِ يَقَعُ إلَّا على مَعنَيَينِ: على الزَّواجِ الذي يَكونُ فيه الوَطءُ، فهذا إجماعٌ لا خِلافَ فيه...). ((المحلى)) (12/ 179 - 180). ، والكاسانيُّ [338] قال الكاسانيُّ: (أمَّا إحصانُ الرَّجمِ فهو عِبارةٌ في الشَّرعِ عنِ اجتِماعِ صِفاتٍ اعتَبَرَها الشَّرعُ لوُجوبِ الرَّجمِ، وهيَ سَبعةٌ: العَقلُ، والبُلوغُ، والحُرِّيَّةُ، والإسلامُ، والنِّكاحُ الصَّحيحُ، وكَونُ الزَّوجَينِ جَميعًا على هذه الصِّفاتِ... ولا خِلافَ في هذه الجُملةِ إلَّا في الإسلامِ). ((بدائع الصنائع)) (7/ 37 - 38). ، وابنُ قُدامةَ [339] قال ابنُ قُدامةَ: (لا خِلافَ في أنَّ عَقدَ النِّكاحِ الخالي عنِ الوَطءِ لا يَحصُلُ به إحصانٌ). ((المغني)) (9/ 38).  وقال أيضًا في بَيانِ شُروطِ الإحصانِ: (أن يَكونَ في نِكاحٍ... ولا خِلافَ بَينَ أهلِ العِلمِ في أنَّ الزِّنا ووَطءَ الشُّبهةِ لا يَصيرُ به الواطِئُ مُحْصَنًا، ولا نَعلمُ خِلافًا في أنَّ التَّسَرِّيَ لا يَحصُلُ به الإحصانُ). ((المغني)) (9/ 38). ، وابنُ القَطَّانِ [340] قال ابنُ القَطَّانِ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ المَرءَ لا يَكونُ بَعدُ مُحْصَنًا حتَّى يَكونَ مَعَه الوطءُ). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/ 255). ، والزَّركَشيُّ [341] قال الزَّركَشيُّ في بَيانِ شُروطِ الإحصانِ: (أن يَكونَ بنِكاحٍ، فلا إحصانَ لواطِئٍ بشُبهةٍ، أو مِلكَ يَمينٍ، ونَحوَ ذلك، إجماعًا). ((شرح الزركشي على الخرقي)) (2/ 418). ، وبُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ [342] قال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلحٍ: (لا خِلافَ أنَّ وَطءَ الزِّنا والشُّبهةِ لا يَصيرُ به الواطِئُ مُحصَنًا، وأنَّ التَّسَرِّيَ لا يَحصُلُ به الإحصانُ). ((المبدع)) (9/ 62). .
ثالثًا: لأنَّه اقتِضاءُ الشَّهوةِ بطَريقٍ حَلالٍ، فيَقَعُ به الاستِغناءُ عنِ الحَرامِ، والنِّكاحُ الفاسِدُ لا يُفيدُ، فلا يَقَعُ به الاستِغناءُ [343] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/83). .
رابعًا: أنَّ المُحْصَنَ إذا تَوفَّرَت عليه المَوانِعُ مِنَ الزِّنا، وأقدَمَ عليه مَعَ تَوفُّرِ المَوانِعِ، صارَ زِناه غايةً في القُبحِ، فيُجازى بما هو غايةٌ في العُقوباتِ؛ لأنَّ الجَزاءَ على قَدرِ الجِنايةِ [344] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/83). .

انظر أيضا: