الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّالثُ: مِن مَوانِعِ إقامةِ حَدِّ الزِّنا رُجوعُ الشُّهودِ أو بَعضِهم


مِن مَوانِعِ إقامةِ حَدِّ الزِّنا رُجوعُ الشُّهودِ أو بَعضِهم [167] قال ابنُ قُدامةَ: (الشُّهودُ إذا رَجَعوا عن شَهادَتِهم بَعدَ أدائِها، لم يَخلُ مِن ثَلاثةِ أحوالٍ؛ أحَدُها: أن يَرجِعوا قَبلَ الحُكمِ بها، فلا يَجوزُ الحُكمُ بها في قَولِ عامَّةِ أهلِ العِلمِ. وحُكيَ عن أبي ثَورٍ أنَّه شَذَّ عن أهلِ العِلمِ، وقال: يُحكَمُ بها؛ لأنَّ الشَّهادةَ قد أُدِّيَت، فلا تَبطُلُ برُجوعِ مَن شَهدَ بها... الحالُ الثَّاني: أن يَرجِعا بَعدَ الحُكمِ وقَبلَ الاستيفاءِ، فيُنظَرُ؛ فإن كان المَحكومُ به عُقوبةً، كالحَدِّ والقِصاصِ، لم يَجُزِ استيفاؤُه؛ لأنَّ الحُدودَ تُدرَأُ بالشُّبُهاتِ... الحالُ الثَّالثُ: أن يَرجِعا بَعدَ الاستيفاءِ؛ فإنَّه لا يَبطُلُ الحُكمُ، ولا يَلزَمُ المَشهودَ له شَيءٌ، سَواءٌ كان المَشهودُ به مالًا أو عُقوبةً). ((المغني)) (10/220). ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ [168] قال ابنُ قُدامةَ: (فإن رَجَعوا عنِ الشَّهادةِ، أو واحِدٌ مِنهم، فعلى جَميعِهمُ الحَدُّ في أصَحِّ الرِّوايَتَينِ، وهو قَولُ أبي حَنيفةَ، والثَّانيةُ: يُحَدُّ الثَّلاثةُ دونَ الرَّاجِعِ، وهو اختيارُ أبي بَكرٍ، وابنِ حامِدٍ... وقال الشَّافِعيُّ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ دونَ الثَّلاثةِ؛ لأنَّه مُقِرٌّ على نَفسِه بالكَذِبِ في قَذفِهـ). ((المغني)) (9/ 73). : الحَنَفيَّةِ [169] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 193)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/24). ، والمالِكيَّةِ [170] ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 240)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 206). ، والشَّافِعيَّةِ [171] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/ 279)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 327 - 328). ، والحَنابِلةِ [172] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/80)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/351). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ [173] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَع العُلماءُ على أنَّ الحَدَّ إذا وجَبَ بالشَّهادةِ وأُقيمَ بَعضُه، ثُمَّ رَجَعَ الشُّهودُ قَبلَ أن يُقامَ الحَدُّ أو قَبلَ أن يَتِمَّ؛ أنَّه لا يُقامُ عليه، ولا يَتِمُّ ما بَقيَ مِنه بَعدَ رُجوعِ الشُّهودِ). ((الاستذكار)) (7/ 503). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لاعتِرافِهما بالوَهمِ، ولاعتِرافِهما بعَدَمِ عَدالتِهما حَيثُ شَهِدا على شَكٍّ [174] يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 206).  .
ثانيًا: لأنَّها تَسقُطُ بالشُّبهةِ، والرُّجوعُ شُبهةٌ [175] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/ 279)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 327 - 328).  .
ثالثًا: لتَناقُضِ كَلامِ الشُّهودِ، والقاضي لا يَقضي بكَلامٍ مُتَناقِضٍ [176] يُنظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (7/ 478).  .
رابعًا: لأنَّه لو شَهِد عَدلانِ بجُرحَتِه حين شَهدَ لوجَبَ رَدُّ ما شَهدَ به، وإقرارُه على نَفسِه بالكَذِبِ أوِ الغَفلةِ أثبَتُ عليه مِن شَهادةِ غَيرِه عليه بذلك [177] يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (8/ 527).  .

انظر أيضا: