الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: اشتِراطُ العَقلِ


مِن شُروطِ وُجوبِ حَدِّ الزِّنا أن يَكونَ مَن صَدَر مِنه الفِعلُ عاقِلًا، فإن كان مَجنونًا لا يُحَدُّ.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائِشةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِع القَلَمُ عن ثَلاثٍ: عنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيقِظَ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يَكبَرَ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يَعقِلَ أو يُفيقَ )) [54] أخرجه النسائي (3432) واللفظ له، وابن ماجه (2041)، وأحمد (24694).  وأخرجه أبو داود (4398) بلفظ: (وعنِ المُبتَلى حتَّى يَبرَأَ) بَدَلَ "المَجنونِ"، والحاكم (2350)، والبيهقي (11453) بلفظ: (وعنِ المَعتوهِ حتَّى يُفيقَ). صحَّحه الحاكِمُ، وقال: على شرط مسلم، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3432). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ دَليلٌ على أنَّه لا تَكليفَ على المَجنونِ، فلا يُؤاخَذُ بفِعلِه [55] يُنظر: ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشيرازي (3/ 337).  .
2- عن بُرَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاءَ ماعِزُ بنُ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال: ويحَكَ! ارجِعْ فاستَغفِرِ اللَّهَ وتُبْ إليه، قال: فرَجَعَ غَيرَ بَعيدٍ، ثُمَّ جاءَ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ويحَكَ! ارجِعْ فاستَغفِرِ اللَّهَ وتُبْ إليه، قال: فرَجَعَ غَيرَ بَعيدٍ، ثُمَّ جاءَ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثلَ ذلك، حتَّى إذا كانتِ الرَّابعةُ قال له رَسولُ اللهِ: فيمَ أُطَهِّرُكَ؟ فقال: مِنَ الزِّنا، فسَأل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبه جُنونٌ؟ فأُخبرَ أنَّه ليسَ بمَجنونٍ، فقال: أشَرِبَ خَمرًا؟ فقامَ رَجُلٌ فاستَنكَهَه، فلم يَجِدْ مِنه ريحَ خَمرٍ، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أزَنَيتَ؟ فقال: نَعَم، فأمَرَ به فرُجِمَ )) [56] أخرجه مسلم (1695). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
 قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أبه جُنونٌ)) دَليلٌ على أنَّ المَجنونَ لا يَلزَمُه حَدٌّ [57] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (23/ 120).  .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [58] قال ابنُ حَزمٍ: (لا يُقامُ عليه -أي المَجنونِ- في حالِ عَقلِه كُلُّ حَدٍّ كان مِنه في حالِ جُنونِه، بلا خِلافٍ مِنَ الأُمَّةِ). ((المحلى)) (11/ 250). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [59] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (هذا إجماعٌ أنَّ المَجنونَ المَعتوهَ لا حَدَّ عليه، والقَلَمُ عنه مَرفوعٌ). ((التمهيد)) (23/ 120). ، والقاضي عِياضٌ [60] قال القاضي عِياضٌ: (حُجَّتُه أنَّ إقرارَ المَجنونِ في حالِ جُنونِه لا يَلزَمُ، وأنَّ الحُدودَ عنه حينَئِذٍ ساقِطةٌ، وهو مِمَّا أجمَعَ عليه العُلماءُ). ((إكمال المعلم)) (5/ 265). ، والكاسانيُّ [61] قال الكاسانيُّ: (لا خِلافَ في أنَّ العاقِلَ البالِغَ إذا زَنى بصَبيَّةٍ أو مَجنونةٍ أنَّه يَجِبُ عليه الحَدُّ، ولا حَدَّ عليها). ((بدائع الصنائع)) (7/ 34). ، والمَرْغينانيُّ [62] قال المَرْغينانيُّ: (وإن زنى صَحيحٌ بمَجنونةٍ أو صَغيرةٍ يُجامَعُ مِثلُها، حُدَّ الرَّجُلُ خاصَّةً، وهذا بالإجماعِ). ((الهداية شرح البداية)) (2/ 104). ، وابنُ قُدامةَ [63] قال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا البُلوغُ والعَقلُ فلا خِلافَ في اعتِبارِهما في وُجوبِ الحَدِّ، وصِحَّةِ الإقرارِ). ((المغني)) (9/ 66). ، والنَّوَويُّ [64] قال النَّوَويُّ: (إقرارُ المَجنونِ باطِلٌ، وأنَّ الحُدودَ لا تَجِبُ عليه، وهذا كُلُّه مُجمَعٌ عليهـ). ((شرح النووي لصحيح مسلم)) (11/ 193). ، وابنُ حَجَرٍ [65] قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: بابٌ لا يُرجَمُ المَجنونُ والمَجنونةُ: أي: إذا وقَعَ في الزِّنا في حالِ الجُنونِ، وهو إجماعٌ). ((فتح الباري)) (12/ 121). .
ثالثًا: لأنَّه إذا سَقَطَ عنه التَّكليفُ في العِباداتِ والمَآثِم في المَعاصي فلَأن يَسقُطَ عنه الحَدُّ أَولى؛ لأنَّ مَبناه على الدَّرءِ [66] يُنظر: ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشيرازي (3/ 337).  .

انظر أيضا: