موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الخامِسُ: القَرْنانِ الثَّامنَ عشَرَ والتَّاسعَ عشَرَ


أ- القَرنُ الثَّامِنَ عَشَرَ:
في سَنةِ 1777م ابتَدَع فِردرِيك أُوجِسْت وُلْف: Ferderic - Auguste Wolff النَّقدَ المُقارَنَ للنُّصوصِ القديمةِ، واستمَرَّت عنايتُه به من بَعدُ، وكانت غايةُ هذا الاتجاهِ إعادةَ بناءِ النُّصوصِ الأصليَّةِ وتَفسيرَها، وكان أهَمُّ حَدَثٍ لُغَويٍّ في القَرنِ الثَّامِنَ عَشَرَ هو كَشْفَ سِير وِلْيام جُونز:Sir William Jones الإنجليزيِّ سنةَ 1786م للُّغةِ السَّنْسِكريتيَّةِ، وللعَلاقةِ بَينَها وبَينَ اليونانيَّةِ واللَّاتينيَّةِ. وهكذا أخذ العُلَماءُ في مقارَنةِ اللُّغةِ الهِنديَّةِ والإيرانيَّةِ والأوروبيَّةِ (اللَّاتينيَّةُ واليونانيَّةُ والكلتيَّةُ والجِرمانيَّةُ).
كان لهذا الكَشْفِ نتائِجُ بالِغةُ الأثَرِ في سَيرِ الدِّراساتِ اللُّغَويَّةِ، وفي النَّهضةِ اللُّغَويَّةِ الحديثةِ، نتج عن معرفةِ اللُّغةِ السَّنْسِكريتيَّةِ إدراكُ العَلاقةِ بَينَها وبَينَ اللُّغةِ اللَّاتينيَّةِ وما تفرَّع عنهما من لُغاتٍ. وهكذا أخَذ العُلَماءُ يتكَلَّمون عن مجموعةِ اللُّغاتِ التي سمَّوها عائلةَ اللُّغاتِ الهِنْدو أُوروبيَّةِ.
ب- القَرُن التَّاسِعَ عَشَرَ:
دراسةُ اللُّغاتِ الِهْندو أُوروبيَّةِ واللُّغاتِ الرُّومانيَّةِ:
إنَّ مَطالِعَ النَّظرةِ الحَديثةِ إلى اللُّغةِ ودِراستِها تَبْدأ في القَرْنِ التَّاسعَ عشَرَ. وهي مَدينةٌ إلى حدٍّ كَبيرٍ بما كان قبل هذا القَرْنِ مِن عَصْرِ النَّهضةِ إلى أوائِلِ القَرْنِ التَّاسعَ عشَرَ مِن جُهودٍ هيَّأتْ لها سُبُلَ التَّقدُّمِ.
فقد كثُرتْ أمَمُ الأرْضِ الَّتي سَيطَرَ عليها الغَربيُّون، أوِ احْتَكُّوا بها، وأوفدوا إليها إرْسالِيَّاتِهم الدِّينيَّةَ وسُفراءَهم السِّياسيِّين، وكان لِهذه الإرْسالِيَّاتِ ولبعضِ الأفْرادِ فَضْلٌ كَبيرٌ في التَّعرُّفِ على لُغةٍ جَديدةٍ في جَمْعِها، وإبْداءِ مُلاحَظاتٍ عنها، وكِتابةِ أنْحائِها، ووَضْعِ مَعاجِمَ لها ... إلخ، ثمَّ ما كان بعد ذلك مِن كَشفِ السَّنسِكريتيَّةِ، وما كان لهذا الكَشْفِ مِن أثَرٍ.
لقد أخَذ عِلمُ اللُّغةِ الحَديثُ في الظُّهورِ في مَطلَعِ القَرنِ التَّاسعَ عشَرَ في صُورةِ نَحوٍ تاريخيٍّ مُقارَنٍ، واستمرَّ على هذه الصُّوَرةِ زَمانًا، وقد أدَّى هذا إلى الكَشفِ عنِ الخَصائِصِ الأساسيَّةِ لِلُّغاتِ الرَّئيسيَّةِ في العالَمِ، وإلى دِراسةِ لُغاتٍ كَثيرةٍ، وإلى الوُصولِ إلى ما بينَها مِن نَسَبٍ.
إنَّ القَرنَ التَّاسعَ عشَرَ في تاريخِ الدِّراساتِ اللُّغويَّةِ هو قَرنُ دِراسةِ اللُّغاتِ الهِندو أوروبيَّةِ واللُّغاتِ الرُّومانيَّةِ، هذه الدِّراساتُ المُقارَنةُ قدَّمتْ مَعلوماتٍ كَثيرةً عن التَّغيُّراتِ الَّتي تَطرأُ على الكَلامِ الإنسانيِّ، بحيثُ أمكَنَ الوُصولُ إلى الأصولِ العامَّةِ التي تَسيرُ عليها هذه التَّغيُّراتُ، نَعمْ كانت هناك مِن قبلُ تَأمُّلاتٌ تَتعلَّقُ بطَريقةِ التَّغيُّراتِ اللُّغويَّةِ، ولكنَّها كانت تَأمُّلاتٍ، أي: لم تكنْ مَبنيَّةً على أساسٍ عِلميٍّ، ولكنْ في أواخِرِ القَرنِ التَّاسعَ عشَرَ حلَّت مَحلَّ هذه التَّأمُّلاتِ نَتائِجُ قائِمةٌ على الاستِدلالِ العِلميِّ. وكذلك نظريَّةُ التَّطَوُّرِ أثَّرت تأثيرًا كبيرًا على الدِّراساتِ اللُّغَويَّةِ في هذا القَرنِ [69] يُنظَر: ((علم اللغة مقدمة للقارئ العَربي)) لمحمود السعران (ص: 268- 275). .

انظر أيضا: