موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ العاشِرُ: الانْسِجامُ


وهُو: "أنْ يكونَ الكَلامُ في مُفْرداتِه وجُمَلِه مُنسابًا انْسِيابَ الماءِ في مَجاريه السَّهلةِ، مُتحدِّرًا ليِّنًا، بسَببِ التَّلاؤُمِ بينَ كَلِماتِه وجُمَلِه، وعُذوبةِ ألْفاظِه وجَمالِ تَموُّجاتِ فِقراتِه، وخُلوِّه مِنَ التَّعْقيدِ والتَّنافُرِ، وخُلوِّه مِن كلِّ ما ينِدُّ عنِ النُّطقِ، ويَنفِرُ منه السَّمعُ".
فمنه قولُ الشَّاعِرِ: المنسرح
ما وهَب اللهُ لامرِئٍ هِبةً
أفْضلَ مِن عقْلِه ومِن أدَبِهْ
هما كَمالُ الفَتى فإنْ فُقِدا
ففَقْدُه للحَياةِ ألْيَقُ بِهْ
فهذان البَيْتانِ مِنَ السُّهولةِ والبَساطَةِ بحيثُ لم يَتكلَّفِ الشَّاعرُ فيهما، ولا تَشعُرُ أنَّه بذَل جُهْدًا في اخْتِيارِ الألْفاظِ ومُراعاةِ الوزْنِ والقافِيةِ، فكأنَّها جاءت على لِسانِه اسْتِرسالًا.
ومنه قولُ ابنِ هَرْمةَ لبعضِ الحُجَّابِ: الكامل
باللهِ ربِّك إنْ دخَلتَ فقُلْ لهُ
هذا ابنُ هَرْمةَ واقِفٌ بالبابِ
فهذا البيْتُ مِنَ الشِّعرِ ربَّما لم يَقصِدْ قائِلُه أنْ يَنظِمَه شِعرًا، لكنَّه تَلألأ معَه وانْسابَ في سُهولةٍ ويُسْرٍ على الوزْنِ الشِّعريِّ، مِن غيرِ تَكلُّفٍ ولا مُحاوَلةٍ.
ومنه قولُ ابنِ حسَّانَ بنِ ثابِتٍ لمُعلِّمِه: البسيط
اللهُ يَعلَمُ أنِّي كنتُ مُنْفردًا
في دارِ حسَّانَ أصْطادُ اليَعاسِيبا
فمِنَ المُؤكَّدِ أنَّ الغُلامَ لم يَقصِدْ نظْمَ الشِّعرِ؛ فإنَّما يُبرِّرُ لمُعلِّمِه سببَ تَأخُّرِه أو تَغيُّبِه أو نحوَ ذلك، إلَّا أنَّ الصِبْغةَ الشِّعْريَّةَ قد غلَبتْ عليه بالوِراثةِ.
وإذا قوِيَ الانْسِجامُ في النَّثرِ جاءت فِقراتُه أو بعضُها مَنْظومةً نظْمًا دُونَ قصْدٍ أو تَكلُّفٍ. والقُرآنُ الكَريمِ كلُّه مُنْسجِمٌ، قال عنه قائِلُه سُبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17]. ولِهذا جاءَت بعضُ آياتِه أو أجزاءٌ منْها على الوزْنِ الشِّعريِّ، وليست مِنَ الشِّعرِ في شيءٍ، وإنَّما هي مِنَ الانْسِجامِ والسُّهولةِ؛ فمنْها قولُه تعالى: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29] شطْرٌ مِنَ "الطَّويلِ".
وقولُه تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بأَعْيُنِنَا [هود: 37] شطْرٌ مِنَ "المَديدِ".
وقولُه تعالى: فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف: 25] شطْرٌ مِنَ "البَسيطِ".
وقولُه تعالى: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة: 14] على قراءَةِ رُوَيسٍ (وَيُخْزِهِمُ) بالضَّمِّ والصِّلَةِ [486] ينظر: ((الكنز في القراءات العشر)) لتاج الدين الواسطي (2/ 401)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (1/ 272). ، بيتٌ مِن بحْرِ "الوافرِ".
وقولُه تعالى: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [الإنسان: 14] على قراءَةِ ضمِّ المِيمِ في (عَلَيْهُمُ)، بيتٌ مِنَ الرَّجَزِ [487] ينظر: ((البديع في نقد الشعر)) لأسامة بن منقذ (ص: 131)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حبنكة (2/ 518). .

انظر أيضا: