موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الحادي عشَرَ: الاكْتِفاءُ


وهُو: "أنْ يَحذِفَ الشَّاعرُ مِنَ البيتِ -أو النَّاثِرُ مِنَ الكَلامِ- شيئًا يُسْتغنَى عن ذكْرِه بدَلالةِ العقْلِ عليه"؛ كأنْ يَقْتضيَ المَقامُ ذكْرَ أمرَينِ، فتَذكُرَ أمرًا واحِدًا وتَسكُتَ عنِ الثَّاني لارْتِباطِه به؛ كقَولِه تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: 81] ، أيْ: والبَرْدَ، فحذَف "البرْدَ" لارْتِباطِ الحرِّ به، ولأنَّ المُخاطَبَ بِهذا العَربُ، وبِلادُهم حارَّةٌ.
ومنه قولُه تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الأنعام: 13] ، أيْ: وما تَحرَّكَ، وخُصَّ السُّكونَ بالذِّكْرِ؛ لأنَّه أغلَبُ الحالَينِ على المَخْلوقِ مِنَ الحَيوانِ والجَمادِ، ولأنَّ كلَّ مُتحرِّكٍ يَصيرُ إلى السُّكونِ.
وقولُ الشَّاعِرِ: الطويل
دنَوتُ وقد أبْدى الكَرى منْه ما أبْدَى
فقبَّلتُهُ في الثَّغْرِ تِسعِينَ أو إحْدَى
يُريدُ: أو إحْدَى وتِسعينَ؛ لدِلالةِ التِّسعينَ عليه؛ يُريدُ أنَّه قبَّله كَثيرًا جدًّا.
وقد يكونُ الشَّرطُ مَذْكورًا فيُكتفَى به عن ذِكْرِ جَوابِه، كقَولِه تعالى: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الأنعام: 35] ، أيْ: فافْعَلْ. وقولِه تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا [الرعد: 31] ، أيْ: لكانَ هذا القُرآنَ.
وقد يكونُ بمُتعلِّقِ الفِعلِ؛ كقَولِه تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا [التوبة: 102] ، أيْ: عمَلًا صالِحًا بسيِّئٍ، وآخَرَ سيِّئًا بصالِحٍ.
وقد يُكتفَى بالمَفْعولِ الأوَّلِ عن الثَّاني؛ كقَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152] ؛ أيِ: اتَّخذوا العِجْلَ إلهًا.
وقد يُؤتَى بالقَسَمِ ويُترَكُ الجَوابُ؛ للعلْمِ به وإشارةِ الآتي عليه، كقَولِه تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 1-2] ، أيْ: والقُرآنِ ذِي الذِّكْرِ إنَّه لَمُعجِزٌ [488] ينظر: ((أنوار الربيع في أنواع البديع)) لابن معصوم (3/71)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 335). .

انظر أيضا: