موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ التَّاسِعُ والعِشرونَ: التَّغليبُ


وهُو: "إعْطاءُ أحدِ المُتَصاحِبَينِ في اللَّفظِ، أو المُتَشاكِلَينِ المُتَشابِهَينِ في بعضِ الصِّفاتِ، أوِ المُتَجاوِرَينِ أو نحْوِ ذلك- حُكمَ الآخَرِ".
فمن ذلك قولُه تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34] ؛ فإنَّ اللهَ تعالى لمَّا خلَقَ آدَمَ أمرَ المَلائِكةَ ومَنْ معَهم مِنَ الجِنِّ بالسُّجودِ لآدَمَ، فذكَر اللهُ في الآيةِ المَلائِكةَ تَغْليبًا لهم على الجِنِّ، وأرادَ بهم المَلائِكةَ ومَنْ معَهم مِن بابِ التَّغْليبِ؛ فإنَّ إبْليسَ ليس مِنَ المَلائِكةِ، وإنَّما هو مِنَ الجِنِّ؛ لقولِه تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: 50] ، ولو كانت المَلائِكةُ وَحدَها مَأمورةً بالسُّجودِ، لَما اسْتَثنى اللهُ تعالى إبْليسَ لعَنه اللهُ مِنَ السُّجودِ، ولَما عاتَبَه أو لامَه على ذلك وهُو غيرُ مَأمورٍ.
ومنه قولُه تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: 27] ؛ يُريدُ: أخْرَجَ أباكم وأمَّكم، فأطْلَق عليهما معًا الأبَوَينِ تَغْليبًا للأبِ على الأمِّ.
ومِثلُه تَسميةُ أبي بكْرٍ وعُمَرَ بالعُمَرَينِ تَغْليبًا، وقولُهم: القَمَرانِ؛ على الشَّمسِ والقمَرِ.
ومنه أيضًا قولُه تعالى: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف: 88] ؛ فإنَّ قولَهم لشُعيبٍ عليه السَّلامُ: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا تَغْليبٌ لمَنْ كان مِنَ المُؤمنينَ معَ شُعَيبٍ؛ فإنَّ شُعَيبًا عليه السَّلامُ ما كان في مِلَّتِهم يومًا حتَّى يَعودَ إليها، وإنَّما اسْتَخدموا التَّغليبَ؛ فإنَّ مَنْ آمَنَ معَ شُعَيبٍ كان قبلَ ذلك في مِلَّتِهم مِنَ الكُفْرِ والضَّلالِ.
وقولُه تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم: 12] ؛ فقولُه: وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ هو مِن تَغْليبِ الذُّكورِ على الإناثِ، وإلَّا لَقال: وكانت مِنَ القانِتينَ والقانِتاتِ، فاكْتَفى بالأُولى تَغْليبًا للذُّكورِ على الإناثِ طلَبًا للاخْتِصارِ، ولثُبوتِ ذلك عندَ العَربِ.
ومنه تَغْليبُ الأخَفِّ على الأثْقَلِ؛ فيقالُ: الحَسَنانِ، ويُرادُ: الحسَنُ والحُسَينُ.
وتَغْليبُ العاقِلِ على غيرِ العاقِلِ في قولِه تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [الرعد: 15] ؛ فعبَّر بـ "مَنْ" الَّتي للعاقِلِ، وأراد بها جَميعَ مَنْ في السَّمواتِ والأرْضِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ، والطَّيرِ والدَّوابِّ، والجامِداتِ وجَميعِ الخَلْقِ [460] ينظر: ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (1/ 173)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حبنكة (1/ 510). .

انظر أيضا: