موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ السَّادسُ: العكْسُ والتَّبديلُ


وهُو: "أنْ تُقدِّمَ في الكَلامِ جزءًا ثمَّ تَعكِسَ؛ فتُقَدِّمَ ما أخَّرْتَ، وتُؤخِّرَ ما قدَّمْتَ".
وهُو إمَّا أنْ يَقعَ بَيْنَ طرفَيِ الجُملةِ وما أُضيفَ إليهما؛ كقولِ العَربِ: "عاداتُ السَّاداتِ ساداتُ العاداتِ".
وإمَّا أنْ يَقعَ بينَ مُتعلِّقَي فِعلَينِ في الجُملةِ، كقَولِه تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [آل عمران: 27] ؛ فقدَّم اللَّيلَ على النَّهارِ، ثمَّ عكَس فقدَّم النَّهارَ على اللَّيلِ، وكذا قدَّم الحيَّ على الميِّتِ، ثمَّ رجَع فعكَس وقدَّم الميِّتَ على الحيِّ.
وقولِ الشَّاعِرِ: الوافر
فردَّ شُعورَهنَّ السُّودَ بِيضًا
وردَّ وُجوهَهنَّ البِيضَ سُودَا
فقدَّم السَّوادَ على البَياضِ في صدْرِ البيتِ، ثمَّ عكَس وقدَّم البَياضَ على السَّوادِ.
وإمَّا أنْ يَقعَ بينَ لفْظَين في طَرَفيْ جُملتَينِ، كقَولِه تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة: 187] ، فوقَع العكْسُ هنا بينَ الجُملتَينِ المَعْطوفتَينِ، والعكْسُ حاصِلٌ بتَكرارِ كَلمةِ اللِّباسِ معَ اخْتِلافِ الضَّمائِرِ المُضافةِ إليه؛ فالمُسنَدُ إليه في الجُملةِ الأُولى هو ضَميرُ النِّسوةِ الغائِباتِ، والمَجرورُ باللَّامِ ضَميرُ الرِّجالِ المُخاطَبِينَ، وفي الجُملةِ الثَّانيةِ العكْسُ؛ فالمُسنَدُ إليه ضَميرُ المُخاطَبِينَ، والمَجرورُ ضَميرُ النِّسوةِ الغائِباتِ.
ومنه قولُه تعالى: مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 52] ، فحِسابُهم لا تَتحمَّلُه أنت، وكذلك حِسابُك لا يَتحمَّلُه هؤلاء.
وقولُه تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10] ، فغايَرَ بينَ ضَميرِ الغائِبينَ والغائِباتِ؛ ففي الجُملةِ الأْوْلى وقَع ضَميرُ الغائِباتِ مُسنَدًا إليه، وضَميرُ الغائِبينَ مَجْرورًا، وفي الجُملةِ الثَّانيةِ وقَع ضَميرُ الغائِبينَ مُسنَدًا إليه، وضَميرُ الغائِباتِ مَجْرورًا.
ومنه قولُ الحسَنِ البَصريِّ: "إنَّ مَن خوَّفك حتَّى تلقَى الأمنَ خيرٌ ممَّن أمَّنَك حتَّى تَلقَى الخوْفَ"؛ فالتَّبديلُ بينَ أرْكانِ الجُملةِ واضِحٌ؛ فالتَّخويفُ في الجُملةِ الأُولى وقَع مَوقِعَه التَّأمينُ في الثَّانيةِ، والأمنُ في الأُولى وقَع مَوقِعَ الخوْفِ في الثَّانيةِ.
ومنه قولُ أبي الطَّيِّبِ المُتَنبِّي: الطويل
فلا مجْدَ في الدُّنيا لمَنْ قلَّ مالُه
ولا مالَ في الدُّنيا لمَنْ قلَّ مجْدُه
فبدأ في الجُملةِ الأُولى بالمجْدِ وجعَلها اسْمًا لـ "لا" النَّافيةِ للجنْسِ، وأوْقَع المالَ فاعِلًا للفِعلِ "قلَّ"، وفي الجُملةِ الثَّانيةِ عكَس ذلك، فجَعَل المالَ اسْمًا لـ "لا" النَّافيةِ للجنْسِ، وجعَل المجْدَ فاعِلًا للفِعلِ "قلَّ" أيضًا [391] ينظر: ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (7/ 144)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (4/ 593). .

انظر أيضا: