موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: الحَذْفُ غيرُ القِياسيِّ


مَسائِلُ الحَذْفِ غيرِ القِياسيِّ:
المَسألةُ الأوْلى: حذْفُ العَينِ في: (فَيْعَلُولَة) حذْفًا لازِمًا، وهُو مَصْدَرٌ لا يُوجَدُ إلَّا في المُعتَلِّ، مِثْلُ: بَيْنُونَة، وكَيْنُونَة، وأصْلُها: بَيَّنُونَة: حُذِفتِ الياءُ الثَّانيةُ مِن (بَيَّنُونة) فصارت: بَيْنُونَة بوَزْنِ (فَيْلُولَة)، وكيْوَنُونة: اجْتمعتِ الواوُ والياءُ وسُبِقتْ إحداهما بالسُّكونِ، فقُلِبتْ ياءً، وأُدغِمتِ الياءانِ (كَيَّنُونَة)، ثُمَّ خُفِّفتْ بحذْفِ العَينِ لُزومًا، فقالوا: كَيْنُونَة، ومثلُه: صَيْرُورَة، وقَيْدُودَة وشَيْخُوخَة، الأصْلُ: صَيَّرورَة، وقَيَّدُودَة، وشَيَّخُوخَة، وإنَّما الْتزمُوا الحَذْفَ في المَصْدَرِ على (فَيْعَلولة)؛ لثِقَلِ الكَلِمةِ بحذْفِ حُروفِها، معَ الإدْغامِ في أحْرُفِ العِلَّةِ.
والدَّليلُ على أنَّ الأصْلَ (فَيْعَلُولَة/ بَيَّنونة وكَيْوَنُونَة) لا فُعْلَولَة -كما ذهَب الكُوفِيُّونَ [1830] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 192). - أنَّ الواوَ قُلِبتْ ياءً في، مِثْلُ: كَيْنونة وأصْلُه مِنَ الكَونِ، ولولا ذلك لم يكنْ لقَلْبِها مُوجِبٌ، ولَكانتْ: كَوْنُونة، ودليلٌ آخَرُ أنَّهم صرَّحوا بِهذا الأصْلِ فيما ذكَره المُبَرِّدُ مِن قَولِ الرَّاجِزِ:
يا لَيتَ أنَّا ضَمَّنا سَفِيَنهْ
حتَّى يَعُودَ الوَصْلُ كَيَّنُونهْ [1831] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 366)، ((المقتضب)) للمبرد (2/ 126، 127)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 191، 192).
المَسألةُ الثَّانيةُ: حذْفُ العَينِ (فَيْعِلان)، مِثْلُ: رَيْحان، والأصْلُ فيه: (رَيْوِحان)، قُلِبتِ الواوُ ياءً، وأُدغِمتِ الياءان، ثُمَّ خُفِّفَ بحذْفِ العَينِ لُزومًا، فصار: رَيْحان، ووَزْنُه: (فَيْلان)، وهُو ممَّا لا يُقاسُ عليه؛ فلا يُقالُ مثلًا في هيَّبان -وهُو الجَبان- هَيْبان [1832] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 192). .
المَسألةُ الثَّالثةُ: حذْفُ العَينِ في (فَيْعِل وفَيْعِلة)، مِثْلُ: سَيْد وسَيْدة، وهَيْن وهَيْنَة، والأصْلُ بالتَّشديدِ: سَيِّد وهَيِّن، فحُذِفتِ العَينُ فصار: سَيْد وهَيْن، ووَزْنُه: فَيْل، وهذا الحَذْفُ قِياسيٌّ في الواويِّ (مِثْلُ: سَيِّد) منه بلا خِلافٍ، وقِياسيٌّ في اليائيِّ (مِثْلُ: لَيِّن) بمُخالَفةِ أبي عليٍّ الفارسيِّ [1833] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 321). ، وذكَر ابنُ مالِكٍ أنَّ الحَذْفَ في الواويِّ واليائيِّ مَحْفوظٌ غيرُ مَقيسٍ، وليس بِصوابٍ [1834] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 193)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 245). .
المَسألةُ الرَّابِعةُ: حذْفُ العَينِ في مِثْلِ: (هارٍ وشَاكٍ ولاثٍ [1835]  هارَ البناءُ هَورًا: هَدَمه، لَاثَ الشَّجَرُ وَالنَّبَاتُ فهو لائثٌ: لَبِسَ بَعْضُهُ بَعْضًا وتَنَعَّمَ، والشَّاكي السِّلاحِ: ذو الشَّوكةِ والحَدِّ في سلاحِه. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 267)، و(2/ 187)، و(10/ 452). ، وفيه وجْهان عنِ العَربِ:
- القلْبُ: أيْ: يَقْلِبونَ العَينَ في مَوضِعِ اللَّامِ، ويُجْرونه مَجْرى الاسمِ المَنْقوصِ، تقولُ: هذا شاكٍ، ورأيت شاكِيًا، ومَررتُ بِشاكٍ، يقولون: (هارٍ وشاكٍ ولاثٍ).
- الحَذْفُ وهو ما يَخصُّ هذا البابَ: يَحْذِفون العَينَ (الهَمْزة المُبْدلَة)، فتقولُ: هذا شاكٌ، ورأيتُ شاكًا، ومَررتُ بشاكٍ، وأكْثرُ العَربِ على الحَذْفِ كما ذكَر سِيبَوَيهِ؛ قال: (وأكْثرُ العَربِ يقولُ: لاثٌ وشاكٌ سِلاحَه) [1836] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 378). ، ولا يُقاسُ أيٌّ مِنَ الوَجْهين، فلا يُقالُ في قائِم: قامٌ أو قامٍ [1837] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 193). .
المَسألةُ الخامِسةُ: تُحذَفُ ألِفُ (فاعِلٍ) في الفِعلِ المُضاعَفِ؛ قالوا في رابٍّ: ربٌّ: وفي بارٍّ: بَرٌّ، وفي قارٍّ: قَرٌّ، أيْ: بارِدٍ، وهذا ممَّا لا يُقاسُ عليه [1838] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 193). .
المَسألةُ السَّادِسةُ: يَحذِفُ بعضُ العَربِ الهَمْزةَ في (يَجيءُ ويَسُوءُ)، فيقولون: يَجِي ويسُو، ويُنزِلونه مَنزِلةَ (يَفِي) في النَّصبِ: لن يَجيَ ويَسُوَ، وفي الجزْمِ: لم يَجِ، ولم يَسُ، وفي الِبناءِ إذا اتَّصل بِهما نُونُ التَّوكيدِ أو نُونُ النِّسوةِ: لا تجِيَنَّ، ولا تَسُونَّ، ويَجِينَ، ويَسُونَ، وفي التَّثْنيةِ: يَجِيَان ويَسُوان، وفي جمْعِ المُذَكَّرِ: يَجُون ويَسُون [1839] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 248). .
المَسألةُ السَّابِعةُ: حذْفُ إحْدى الياءَينِ في (اسْتَحْيَا) وفُروعِه
في اسْتَحيا لُغتانِ:
أهلُ الحِجازِ يقولونها بياءَين: اسْتحيا يَسْتَحْيِي، فهو مُسْتَحْيٍ، ومُسْتَحْيًا منه.
لُغةُ بَني تَمِيمٍ بياءٍ واحِدةٍ: اسْتَحَى يَسْتَحِي فهو مُسْتَحٍ ومُسْتَحًى منه، يُحرِّكونَ الحاءَ ويَحذِفون إحْدى الياءَين [1840] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 119). ، ويُجْرونه مَجْرى (يَسْتَفِي) في الإعْرابِ؛ فيَقولون في الرَّفْعِ: يَسْتَحِي، وفي النَّصبِ: لن يَسْتَحِيَ، وفي الجزْمِ: لم يَسْتَحِ، وفي البِناءِ لاتِّصالِ نُونِ التَّوكيدِ أو نُونِ النِّسوةِ: يَسْتَحِيَنَّ، ويَسْتَحِيْنَ، وفي التَّثْنيةِ والجَمْعِ: يَسْتَحِيَان ويَسْتَحُون [1841] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 200، 201). .
وقد نطَق بلُغةِ بَني تَمِيم بعضُ أهلِ الحِجازِ، كقِراءةِ ابنِ كَثيرٍ وابنِ مُحيصِنٍ وشِبلٍ -وهُم مِن أهلِ الحِجازِ- لقَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا [البَقَرة: 26] بياءٍ واحِدةٍ: يَسْتَحِي [1842] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لأبي جعفر النحاس (1/ 39)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 249). ، وكقَولِ عُمرَ بنِ أبي رَبيْعةَ مِنَ الطَّويل:
أمَا تَسْتَحي أو تَرْعوي أو تُفكِّر [1843] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 200).
واختُلِف في أيِّهما حُذِفَ الياءُ الأُوْلى (عَينُ الكَلِمةِ) أمِ الياءُ الثَّانيةُ (لامُ الكَلِمةِ)، فالَّذي عليه قَولُ الأئِمَّةِ -وهُو قَولُ الخَليلِ [1844] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 399). - أنَّ المَحْذوفَ عَينُ الكَلِمةِ، فيَكونُ الوَزْنُ الصَّرْفيُّ لكَلِمةِ اسْتحى في لُغةِ بَني تَمِيمٍ: اسْتَفَالَ [1845] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 248، 249). .
المَسألةُ الثَّامِنةُ: الْتزموا حذْفَ الألِفِ في (ما) الاسْتفهاميَّةِ المُفْرَدةِ المَجرورةِ بالحرْفِ، مِثْلُ: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النَّبأ: 1] ، أو بالإضافةِ، مِثْلُ: مَجيءَ مَ جِئْتَ؟ وإنَّما حذَفوا تَخفيفًا لكَثْرةِ الاسْتعمالِ، ولا تَثبُتُ الألِفُ إلَّا في:
- الضَّرورةِ: كَقَولِ حسَّانَ مِنَ الوافر:
على ما قام يَشْتِمُني لَئيمٌ
كَخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ
- أو في النُّدورِ [1846] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 201، 202، 203). .
وقد ذكَر الزَّمخْشريُّ أنَّ إثْباتَ الألِفِ لُغةٌ، وأنَّ الكَثيرَ المُستَعملَ هو الحَذْفُ، فقد قال في قولِه تعالى: بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي [يس: 28] أنَّ ما هُنا اسْتفهاميَّةٌ بِمَعنى: يا لَيتَ قَوْمي يَعْلَمون بأيِّ شيءٍ غفَر لي ربِّي، وهُو مُصابَرتُه لإعْزازِ الدِّينِ، ثُمَّ قال: (إلَّا أنَّ قولَك بِما غَفَرَ لِي بِطرْحِ الألِفِ أجودُ وإنْ كان إثباتُها جائِزًا) [1847] يُنظر: ((الكشاف)) للزمخشري (4/ 12). .
فإنْ كانت (ما) مَوْصولةً، مِثْلُ: فرِحتُ بِما فرِحتَ به، أو شَرطيَّةً: مِثلُ: بما تَفرَحْ أفْرحْ، فلا تُحذَفُ فيها الألِفُ إلَّا أنَّها إنْ كانتْ صلتُها (شِئْتَ)، فإنَّ الحَذْفَ فيها كَثيرٌ لكَثْرةِ الاسْتعمالِ، كما ذكَر ذلك أبو زيدٍ؛ أنَّ كثيرًا مِنَ العَربِ يقولون: سَلْ عمَّ شِئتَ [1848] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 250). ، ورأى المُبرِّدُ أنَّها لُغةٌ [1849] ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 204) .
وإنْ رُكِّبتْ (ما) معَ ذا لم تُحذَفْ ألِفُها؛ لأنَّها لا تكونُ مُفْرَدة، مِثْلُ: على ماذا تلُومُني؟
وإنْ كانتْ ما مَنْصوبةً أو مَرْفوعةً فلا تُحذَفُ إلَّا في الضَّرورةِ [1850] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 203). .
المَسألةُ التَّاسعةُ: صُورٌ أخرى مِنَ الحَذْفِ:
حذْفُ الواوِ بكَثْرةٍ، وهي لامُ الكَلِمةِ في الأسْماءِ:
تُحذَفُ الواوُ وهِي في مَوضِعِ لامِ الكَلِمةِ في الأسْماءِ شُذوذًا بكَثْرةٍ، ومِن أمْثلَةِ الأسْماءِ الَّتي حُذِفت فيها الواوُ لامًا [1851] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 396)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 204). :
- أبٌ: لأنَّه مِنَ الأبُوَّةِ، بدَليلِ أنَّك تقولُ في التَّثْنيةِ: أبَوان.
- وابنٌ: لأنَّه من البُنوَّةِ.
- وأخٌ: لأنَّه مِنَ الأُخوَّةِ، وتقولُ في تَثنيِته: أَخَوان.
- وحَمٌ: أصْلُه مِنِ الواوِ (حمو)؛ لأنَّه يُقالُ: حمَواك.
- هَنٌ: -وهُو اسمٌ لِما يُستقْبَحُ ذكرُه-؛ لأنَّهم قالوا في الجَمْعِ: هَنَواتٌ.
- اسمٌ: لأنَّه مِنَ السُّموِّ، على مَذْهبِ البَصْرِيِّينَ، والكُوفِيُّونَ يرونَ فيه حذْفَ الفاءِ من: وَسَمَ.
- عِضَةٌ وسَنةٌ في إحْدى اللُّغتينِ، أصْلُها: عِضوَة وسَنوَة، قالوا في الجَمْعِ: عِضَوَات وسَنَوات [1852] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 452). .
- غَدٌ، وأصْلُه غَدْو.
- كُرَةٌ، وقُلَةٌ؛ لأنَّهم قالوا: كَرَوْتُ بالكُرةِ، وقَلَوْتُ بالقُلَةِ [1853] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 396)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 204)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 250). .
تُحذَفُ الياءُ وهي لامُ الكَلِمةِ في الأسْماءِ بقِلَّةٍ:
حُذِفتِ الياءُ وهي لامُ الكَلِمةِ في الأسْماءِ على قلَّةٍ، ومِن أمْثلَتِها:
- يَدٌ، وأصْلُها (يَدْي)، من يَدَيْتُ إلى فُلانٍ يدًا.
- ومائةٌ، وأصْلُها: مِئْيَة، حُذفتِ الياءُ، ويدُلُّ على حذْفِها قولُهم: أخذتُ مايًا.
- دمٌ، والأصْلُ فيها: دمْيٌ على خِلافٍ في كونِه من الواوِ أو منَ الياءِ [1854] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 396)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 205). .
تُحذَفُ الهاءُ وهي لامُ الكَلِمةِ في الأسماءِ بقلَّةٍ:
وذلك في مِثْلِ:
- شَفة، بدَليلِ أنَّهم قالوا في الجَمْعِ: شِفَاهٌ.
-عِضَة- لنَوعٍ مِنَ الشَّجرِ- على إحْدى اللُّغتينِ أصْلُها: عِضَهةٌ؛ لأنَّهم قالوا: جمَلٌ عاضِهٌ، أمَّا من قال في الجَمْعِ عِضَوات، فأصْلُها بالواوِ: عِضَوَة، ومثلُها سَنة، فمَنْ قال سَنوات، فأصْلُها بالواوِ، ومَنْ قال: سانَهْتُ، فأصْلُها الهاءُ [1855] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 452). .
- شاة: بدَليلِ قولِهم في الجَمْعِ: شِيَاهٌ، وأصْلُها: شَوْهَة [1856] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 397)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 205). .
تُحذَفُ الهَمْزةُ والنُّونُ والحاءُ وهي لامُ الكَلِمةِ بقِلَّةٍ أيضًا:
مِثالُ حذْف الهَمْزةِ: سَوَائِيَة مِن سُؤْتُه، قالوا: سَوَاية فحذَفوا الهَمْزةَ [1857] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 251). .
مِثالُ حذْفِ النُّونِ: دَدٌ -وهُو الرَّجلُ الَّذي لا غَناءَ عندَه- وأصْلُه: دَدَنٌ [1858] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 252). .
مِثالُ حذْفِ الحاءِ: (حِرٌّ) -وهُو الفَرْجُ- وأصْلُه: حِرْحٌ، بِدَليلِ أنَّهم قالوا في التَّصغيرِ: حُريْحٌ، وفي التَّكسيرِ: أحْراح [1859] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 206). .
وقد تُحذَفُ عَينُ الكَلِمةِ وهي:
(خاء)، مِثْلُ: بَخٍ، وأصْلُها: بَخٍّ.
(نون): مِثلُ: مُذْ، والأصْلُ: مُنْذُ.
(واو)، مِثْلُ: فَمٍ، وأصْلُه: فَوْهٌ.
(تاء) في: سَهْ، وأصْلُه: سَتَه، بِدَليلِ أنَّهم جمَعوه على أسْتاه [1860] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 206، 207). .
وقد تُحذَفُ فاءُ الكَلِمةِ وهِيَ:
(هَمْزة) كما في ناسٍ في قولِ سِيبَوَيهِ [1861] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (2/ 196) والفَرَّاءِ؛ فيكونُ أصْلُه: أُناسٌ، ووَزْنُه فُعالٌ، أمَّا الكِسائيُّ فيَرَى أنَّ الأصْلَ: نوَس، قُلِبتِ الواوُ ألِفًا، وعلى ذلك فلا حذْفَ [1862] ينظر رأي الفراء والكسائي في: ((إعراب القرآن)) لأبي جعفر النحاس (1/ 29). .
(واو) كما في: رِقَة ولِدَة وحِشَة، والأصْلُ: وِرْقَة، ووِلْدَة، ووِحْشَة [1863] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (ص: 207). .
تُحذَفُ الهَمْزةُ بكَثْرةٍ في (أبٍ) وذلك بعدَ "يا" النِّداءِ، وفي قولِهم: لا أَبَا لكَ، قالوا: يابا فُلانٍ، ولا بَا لكَ، وقال أبُو الأسْوَدِ الدُّؤَليُّ: مِنَ الطَّويل
يابا المُغِيرَةِ رُبَّ أمْرٍ مُعْضِلٍ
فرَّجْتُهُ بالمَكْرِ مِنِّي والدَّهَا
يَقصِدُ: يا أبا المُغيرةِ [1864] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 395). .
تُحذَفُ الطَّاءُ على غيرِ قِياسٍ في قولِهم: قَطْ، بالتَّخفيفِ: والأصْلُ: قَطُّ بالتَّشديدِ؛ لأنَّه من قَطَطْتُ: أيْ: قطَعْتُ، ومَعنى قولِك: ما فَعَلتُه قَطُّ، أيْ: فيما انْقَطع مِن عُمْري.
تُحذَفُ الباءُ على غيرِ قِياسٍ مِن رُبَّ، قالوا: رُبَ.
تُحذَفُ الفاءُ على غيرِ قِياس في: أُفْ، الدَّالِّ على التَّضجُّرِ، وأصْلُه بالتَّشديدِ: أفٍّ، وحذَفوها أيضًا في: سَوْ أفْعلُ، والأصْلُ: سَوفَ أفْعلُ [1865] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 398، 399). .
شذَّ حذْفُ الياءِ في: لا أدرِ، ولا أُبالِ، والأصْلُ: أَدري وأُبَالي بِإثْباتِ الياءِ، حذَفوا لكَثْرةِ الاسْتعمالِ.
حذَفوا في: عِمْ صَباحًا؛ إذْ الأصْلُ: أنْعِمْ صَباحًا، حُذِفتْ فاءُ الكَلِمةِ (النُّون)، فحُذِفتِ الهَمْزةُ ويكونُ ذلك حذْفًا شاذًّا، وثمَّةَ قولٌ ذكَره ابنُ عَقيلٍ عن جَماعَةٍ مِن ثِقاتِ اللُّغويِّينَ، قالوا: إنَّ العَربَ تقولُ: وَعَم يَعَمُ بِمَعنى نَعِمَ ينْعَمُ، فيكونُ المَحْذوفُ فاءَ الكَلِمةِ (الواو)، ويكونُ على القِياسِ؛ مِثلُ وعَدَ يَعِدُ [1866] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 208، 209). .
مَسألةٌ: الحَذْفُ في اسْطاعَ يَسْطيعُ:
فيها أرْبعُ لُغاتٍ:
اسْتَطاع يَسْتَطِيعُ، وهِيَ أشْهرُ اللُّغاتِ، وهُو على وَزْنِ (اسْتَفْعَل).
اسْطاع يَسْطِيعُ، وأصْلُه اسْتَطاع يَسْتَطيعُ، فحُذِفتِ التَّاءُ تَخفيفًا لاجْتِماعِها معَ الطَّاءِ، وهُما مِن مَخرَجٍ واحِدٍ؛ قال تعالى: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ [الكَهْف: 97] .
أسْطاع يُسْطِيعُ، بهَمْزةِ القطْعِ وضمِّ حَرْفِ المُضارَعةِ، فهُو على وَزْنِ أفْعَلَ؛ مِن أطاع يُطِيعُ، وأصْلُه: أطْوَع يُطْوِع، أُعِلَّتِ الواوُ بنْقلِ حَرَكتِها إلى الطَّاءِ ثُمَّ قُلِبتْ ألِفًا فصار (أطاع)، ثُمَّ دخَلتِ السِّينُ عِوَضًا مِن حَرَكةِ الواوِ المنْقولةِ، وهُو مَذْهبُ سِيبَوَيهِ [1867] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/ 25). .
اسْتَاعَ يَسْتِيعُ، إمَّا أنْ يُقالَ: حُذِفتِ الطَّاءُ؛ لأنَّها كالتَّاءِ في الشِّدَّةِ وتزيدُ عليها بالإطْباقِ، أو يُقالَ: حُذِفَت التَّاءُ؛ لأنَّها زائِدةٌ، ثُمَّ أُبدِلتِ التَّاءُ مِنَ الطَّاءِ؛ لأنَّ التَّاءَ أخَفُّ، وتُناسِبُ السِّينَ قبلَها في الهَمْسِ [1868] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 484). ، وهُو حذْفٌ على غيرِ قِياسٍ [1869] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 563). .
الحَذْفُ في: يَتَّقي ويتَّسِع:
حُذِفتِ التَّاءُ من (يتَّقي ويتَّسع)؛ فقد ورَد السَّماعُ بـ: يَتَقِي ويَتَسِع، ومُتْقٍ، وذلك لكَثْرةِ الاسْتعمالِ، ولم يأتِ الحَذْفُ في الماضي منها إلَّا في ماضي يَتَقِي: قالوا: تَقَى، وأصْلُه: اتَّقى، حذَفوا هَمْزةَ الوصْلِ لِحذْفِ التَّاءِ السَّاكِنةِ بعدَها [1870] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 483). ، وفي وَزْنِ (تَقَى) خِلافٌ؛ فالزَّجاجُ يَرَى أنَّ التَّاءَ بدَلٌ مِنَ الواوِ، وأصْلُه: وقَى، ووَزْنُه (فَعَل)، والمُبرِّدُ يَرَى أنَّ فاءَه مَحْذوفةٌ والتَّاءُ زائِدةٌ فوَزْنُه (تَعَل) [1871] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 293، 294). .
الحذْفُ في (اسْتَخَذَ):
ذكَر سِيبَوَيهِ عن بعضِ العَربِ أنَّهم يَقولون: اسْتَخذَ فُلانٌ أرْضًا بِمَعنى اتَّخَذ، فيَجوزُ أنْ يكونَ أصْلُه:
1- اسْتَتْخَذَ (اسْتَفْعَل) مِن تَخِذ يَتْخَذُ تَخْذًا، ثُمَّ حذَفوا التَّاءَ الثَّانيةَ.
2- ويَجوزُ أنْ يكونَ أصْلُه (اتَّخَذ) وتكونَ السِّينُ بدَلًا مِن تاءِ اتَّخَذ الأُوْلى؛ لأنَّ السِّينَ والتَّاءَ تَتَّفقانِ في الهمْسِ، ولأنَّهم يَجْعلونَ التَّاءَ بدَلًا مِنَ السِّينِ في (سِتٍّ) وأصْلُها: سِدْسٌ [1872] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 483). .
مُضارِعُ (تَفَعَّل وتَفاعَل):
في مُضارِعِ (تفَعَّل)، مِثْلُ: تَطَيَّر، و(تَفاعَل)، مِثْلُ: تَطايَر، تَجْتمِعُ تاءانِ؛ تقولُ: تَتَطيَّرُ وتَتَطايرُ، وهُنا يَجوزُ:
- عَدَمُ التَّخفيفِ بإثْباتِ التَّاءَين معًا، ومنه قولُه تعالى: تَتَنَزَّلُ عليْهِمُ الْمَلَائِكَةُ [فُصِّلت: 30] ، وتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السَّجدَة: 16] .
- التَّخفيفُ بالإدْغامِ؛ تقولُ: اطَّيَّر واطَّاير.
- التَّخفيفُ بحذْفِ إحْدى التَّاءَين، والتَّخفيفُ بالحذْفِ أكْثرُ مِنَ التَّخفيفِ بالإدْغامِ، ومنه قولُه تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ [القَدْر: 4] ، وقولُه: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ [آلُ عِمْران: 143] ، وفي أيِّ التَّاءَين حُذِفتْ خِلافٌ، فسِيبَوَيهِ يَرَى أنَّ التَّاءَ المَحْذوفةَ هي الثَّانيةُ [1873] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 476). ، والكُوفِيُّونَ يَرَون أنَّ الأُوْلى هي المَحْذوفةُ [1874] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 290). .

انظر أيضا: