الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسمَيِ اللهِ: الظَّاهِرِ والباطِنِ

المؤمِنُ إذا تحَقَّق عُلُوَّه تعالى المُطلَقَ على كُلِّ شَيءٍ بذاتِه، وأنَّه ليس فوقَه شيءٌ البتَّةَ، وأنَّه ظاهِرٌ فوق عِبادِه يدَبِّرُ الأمرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ، ثمَّ توجَّه إليه، فقد جمع قَلْبَه على المعبودِ، فيلجأُ إليه ويفِرُّ في كُلِّ وقتٍ إليه [3531] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 20). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (أمَّا عُبوديَّتُه باسمِه الظَّاهِرِ فكما فَسَّره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وأنت الظَّاهِرِ فليس فوقك شَيءٌ، وأنت الباطِنُ فليس دونك شَيءٌ )) [3532] أخرجه مسلم (2713) مطولاً من حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، فإذا تحقَّق العَبدُ عُلُوَّه المُطلَقَ على كُلِّ شَيءٍ بذاتِه وأنَّه ليس فوقَه شَيءٌ البتَّةَ، وأنَّه ظاهِرُ فوقَ عبادِه يُدَبِّرُ الأمرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ، ثمَّ يَعرُجُ إليه إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] - صار لقَلْبِه أَمَمًا يَقصِدُه ورَبًّا يَعبُدُه وإلهًا يتوَجَّهُ إليه. بخِلافِ من لا يدري أين رَبُّه؛ فإنَّه ضائِعٌ مُشَتَّتُ القَلْبِ، ليس لقَلْبِه قِبلةٌ يتوجَّهُ نَحْوَها ومعبودٌ يتوَجَّهُ إليه قَصْدَه...
وأما تعَبُّدُه باسمِه الباطِنِ فأمرٌ يَضيقُ نِطاقُ التعبيرِ عن حقيقتِه ويَكِلُّ اللِّسانُ عن وَصْفِه، وتصطَلِمُ الإشارةُ إليه وتجفو العبارةُ عنه، فإنَّه يستلزِمُ مَعرفةً بريئةً من شوائِبِ التعطيلِ، مُخلِصةً من فَرثِ التشبيهِ، مُنَزَّهةً عن رِجسِ الحُلولِ والاتحادِ، وعِبارةً مؤديةً للمعنى كاشِفةً عنه، وذوقًا صحيحًا سليمًا من أذواقِ أهلِ الانحرافِ، فمن رُزِق هذا فَهِمَ معنى اسمِه «الباطن» ووَضَح له التعَبُّدُ به... وبابُ هذه المعرفةِ والتعَبُّدِ هو معرفةُ إحاطةِ الرَّبِّ سُبحانَه بالعالَمِ وعَظَمَتُه، وأنَّ العوالمَ كُلَّها في قبضتِه، وأنَّ السَّمَواتِ السَّبعَ والأرَضينَ السَّبعَ في يدِه كخَردلةٍ في يَدِ العَبدِ. قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ [الإسراء: 60] وقال: وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ [البروج: 20] ؛ ولهذا يَقرِنُ سُبحانَه بين هذين الاسمينِ الدَّالينِ على هذينِ المعنَيَينِ: اسمِ العُلُوِّ الدَّالِّ على أنَّه «الظَّاهِرُ» وأنَّه لا شيءَ فوقَه، واسمِ العَظَمةِ الدَّالِّ على الإحاطةِ، وأنَّه لا شيءَ دونَه، كما قال تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الشورى: 4] ، وقال تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ: 23] ، وقال: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 115] ، وهو تبارك وتعالى كما أنَّه العالي على خَلْقِه بذاته فليس فوقه شيءٌ، فهو «الباطِنُ» بذاتِه، فليس دونه شيءٌ، بل ظهر على كُلِّ شيءٍ فكان فوقه، وبَطَن فكان أقرَبَ إلى كُلِّ شَيءٍ مِن نَفْسِه... فهذا أقرَبُ لإحاطةِ العامَّةِ) [3533] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 20-22). .

انظر أيضا: