تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
التَّفاضُلُ في صِفاتِ اللهِ قد يَقَعُ في الصِّفةِ الواحِدةِ، فتكونُ الصِّفةُ الواحِدةُ متفاضِلةً. ومن أمثلةِ ذلك: تفاضُلُ صِفةِ الحُبِّ والبُغضِ. فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أحَبُّ البلادِ إلى اللهِ مَساجِدُها، وأبغَضُ البلادِ إلى اللهِ أسواقُها )) [3436] أخرجه مسلم (671). . فـ (أحَبُّ) و (أبغَضُ): صيغةُ تفضيلٍ. وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أبغَضُ الرِّجالِ إلى اللهِ الألَدُّ الخَصِمُ )) [3437] أخرجه البخاري (2457)، ومسلم (2668). . ومن الأمثلةِ على ذلك: تفاضُلُ صِفةِ الكَلامِ. وممَّا يَدُلُّ على ذلك: أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ فَضَّل القُرآنَ على سائِرِ كُتُبِه السَّابِقةِ. قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[المائدة: 48] . وقال اللهُ سُبحانَه: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ[الزمر: 23] . كما أنَّ القُرآنَ نَفْسَه مُتفاضِلٌ، ومن ذلك: ما جاء عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: يا أبا المُنذِرِ، أتدْري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟ قال: قُلتُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. قال: فضَرَب في صَدْري، وقال: واللهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنذِرِ!)) [3438] أخرجه مسلم (810). . فهذه آيةٌ مِن كلامِ اللهِ، وهي آيةُ الكُرسِيِّ، أعظَمُ آيةٍ في كتابِ اللهِ. وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَسيرٍ فنَزَل، فمشى رجلٌ من أصحابِه إلى جانِبِه، فالتَفَت إليه، فقال: ألا أخبِرُك بأفضَلِ القُرآنِ؟ قال: فتلا عليه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة: 2] [3439] أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8011)، وابن حبان (774)، والحاكم (2056) صحَّحه ابنُ حِبَّان، والحاكم على شرط مسلم، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1499)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (43). ومن ذلك ما جاء عن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُؤتى بالقُرآنِ يومَ القيامةِ وأهلِه الذين كانوا يَعمَلونَ به، تَقْدُمُه سُورةُ البَقَرةِ وآلِ عِمرانَ )) [3440] أخرجه مسلم (805). . فهذا فيه تَفضيلُ هاتينِ السُّورتَينِ مِن كلامِ اللهِ. وعن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[الإخلاص: 1] تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ)) [3441] أخرجه مسلم (811). . قال الغَزاليُّ: (لعَلَّك تقولُ: قد توجَّه قَصْدُك في هذه التَّنبيهاتِ إلى تفضيلِ بعضِ القُرآنِ على بَعضٍ، والكُلُّ قَولُ اللهِ تعالى، فكيف يفارِقُ بَعْضُها بَعضًا؟! وكيف يكونُ بَعْضُها أشرَفَ مِن بَعضٍ؟ فاعلَمْ أنَّ نورَ البصيرةِ إن كان لا يُرشِدُك إلى الفَرْقِ بين آيةِ الكُرسيِّ وآيةِ المُدايناتِ، وبيْن سورةِ الإخلاصِ وسورةِ تَبَّت، وتَرتاعُ مِن اعتقادِ الفَرْقِ نَفْسُك الجوَّارةُ، المُستَغرِقةُ بالتَّقليدِ؛ فقَلِّدْ صاحِبَ الرِّسالةِ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه، فهو الذي أُنزِلَ عليه القرُآنُ، وقد دَلَّت الأخبارُ على شَرَفِ بَعضِ الآياتِ، وعلى تضعيفِ الأجْرِ في بَعضِ السُّوَرِ المنَزَّلةِ) [3442] يُنظر: ((جواهر القرآن)) (ص: 62). ويُنظر: ((جواب أهل العلم والإيمان)) لابن تيمية (ص: 55)، ((مباحث المفاضلة في العقيدة)) لمحمد الشظيفي (ص: 80). .