الموسوعة العقدية

 المَغْفِرَةُ وَالْغُفْرَانُ

صِفةٌ ذاتيَّةٌ فعلِيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ومِن أَسمائِه (الغَفُور) و(الغَفَّار).
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
1- قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: 28] .
2- قَولُه: أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر: 5] .
3- قَولُه: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ [فصلت: 43] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((... بل قولوا: سمِعْنا وأَطَعْنا، غُفرانَك ربَّنا وإليكَ المصيرُ )) .
2- حديثُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَّمَه أن يقولَ في صَلاتِه: ((اللهمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نفْسِي ظُلمًا كثيرًا، ولا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنت، فاغْفِرْ لي مغفرةً من عندَك، وارْحَمْني؛ إنَّك أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ )) .
قال ابنُ قُتَيبةَ: (مِن صِفاتِه الغَفورُ، وهو مِن قولِك: غفرتُ الشيءَ: إذا غَطَّيتَه، كما يُقال: كَفَرْتُه: إذا غَطَّيتَه. ويُقالُ: كذا أغفرُ مِن كذا، أي: أسترُ ...) .
وقال الزَّجَّاجُ: (الغَفَّارُ: أصلُ الغَفْرِ في الكلامِ السَّترُ والتَّغطيةُ، يُقالُ: اصبِغْ ثَوبَك، فهو أغفَرُ للوَسَخِ، أي: أحمَلُ له وأستَرُ، ومعنى الغَفْرِ في اللهِ سُبحانَه: هو الذي يَستُرُ ذُنوبَ عِبادِه ويُغَطِّيهم بسَتْرِه) .
وقال أيضًا: (الغَفورُ هو فَعولٌ؛ مِن قَولِهم: غَفَرْتُ الشَّيءَ: إذا ستَرْتَه، وفعَولٌ موضوعٌ للمُبالَغةِ، وكذلك فَعَّالٌ) .
وقال الزَّجَّاجيُّ: (... غَفورٌ -كما ذكرتُ لك- من أبنيةِ المبالَغةِ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ غفورٌ؛ لأنَّه يَفعلُ ذلك لعبادِه مرَّةً بعدَ مرَّةٍ إلى ما لا يُحْصَى، فجاءتْ هذه الصفةُ على أبنيةِ المبالَغةِ لذلك، وهو متعلِّقٌ بالمفعولِ؛ لأنَّه لا يَقعُ السترُ إلَّا بمستورٍ يُستَرُ ويُغَطَّى، وليستْ من أوصافِ المبالغةِ في الذَّاتِ، إنما هي مِن أوصافِ المبالغةِ في الفِعلِ) .
وقال الخَطَّابي: (الغَفَّارُ: هو الذي يَغفِرُ ذُنوبَ عِبادِه مرَّةً بعدَ أُخرى، كُلَّما تكَرَّرت التَّوبةُ في الذَّنبِ مِنَ العَبدِ تكَرَّرت المغفرةُ، كقَولِه سُبحانَه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82] . وأصلُ الغَفرِ في اللُّغةِ: السَّترُ والتَّغطيةُ، ومنه قيل لجُنَّةِ الرَّأسِ: المِغْفَرُ، وبه سُمِّيَ زِئبَرُ الثَّوبِ غَفرًا؛ وذلك؛ لأنَّه يَستُرُ سُداه؛ فالغَفَّارُ: السَّتَّارُ لذُنوبِ عِبادِه، والمُسدِلُ عليهم ثوبَ عَطْفِه ورأفتِه. ومعنى السَّترِ في هذا أنَّه لا يَكشِفُ أمرَ العَبدِ لخَلْقِه ولا يهتِكُ سَتْرَه بالعُقوبةِ التي تَشهَرُه في عيونِهم، ويقالُ: إنَّ المغفِرةَ مأخوذةٌ مِن الغَفرِ: وهو -فيما حكاه بعضُ أهلِ اللُّغةِ- نَبتٌ يُداوى به الجِراحُ، يقالُ: إنَّه إذا ذُرَّ عليها دَمَلَها وأبراها) .
وقال أيضًا: (الغَفورُ: هو الذي تَكثُرُ منه المغفرةُ. وبناءُ فَعولٍ: بناءُ المبالغةِ في الكَثرةِ، كقَولِك: صَبورٌ، وضَروبٌ، وأَكولٌ. وما أشبَهَها من النُّعوتِ، وقد تقدَّم الكلامُ في تفسيرِ الغَفَّارِ، ومعنى اشتقاقِه في اللُّغةِ. وسَبيلُ الاسمينِ من أسماءِ اللهِ جَلَّ وعزَّ المذكورينِ على بناءينِ مُختَلِفينِ -وإن كان اشتقاقُهما من أصلٍ واحدٍ- أن تُطلَبَ لكُلِّ واحدٍ منهما فائدةٌ مُستجَدَّةٌ، وألَّا يُحمَلَا على التَّكرارِ. فيَحتَمِلُ -واللهُ أعلَمُ- أن يكون الغَفَّارُ معناه: السَّتَّارُ لذُنوبِ عبادِه في الدُّنيا بألَّا يَهتِكَهم ولا يُشيدَها عليهم، ويكونُ معنى الغفورِ مُنصَرِفًا إلى مغفرةِ الذُّنوبِ في الآخِرةِ، والتجاوُزِ عن العُقوبةِ فيها) .
وقال الحليميُّ: (ومنها الغَفَّارُ: وهو المبالِغُ في السَّترِ، فلا يشهَرُ المذنِبَ لا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ. ومنها الغَفورُ: وهو الذي يَكثُرُ منه السَّترُ على المذنِبينَ من عِبادِه، ويزيدُ عَفْوُه على مؤاخذتِه) .
وقال ابنُ سِيْدَه: («الغَفورُ» الذي يَغفِرُ الذُّنوبَ، وتأويلُ الغُفرانِ في اللُّغةِ: التَّغطيةُ على الشَّيءِ، ومن ذلك المِغْفَرُ: ما غُطِّيَ به الرَّأسُ) .
وقال السَّعْديُّ: (العفُوُّ الغفورُ الغفَّارُ: الذي لم يَزلْ ولا يَزالُ بالعفوِ مَعروفًا، وبالغفرانِ والصَّفحِ عن عِبادِه موصوفًا، كُلُّ أحدٍ مضطرٌّ إلى عَفوِه ومَغفرتِه، كما هو مضطرٌّ إلى رحمتِه وكرمِه) .
وقال عبدُ العزيزِ السَّلْمان: (... وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ في هذه الآياتِ إثباتُ وصفِ اللهِ بالعفوِ والمغفرةِ...) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه مسلم (125).
  2. (2) أخرجه البخاري (6326)، ومسلم (2705).
  3. (3) يُنظر: ((تفسير غريب القرآن)) (ص: 14).
  4. (4) يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 37).
  5. (5) يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 46).
  6. (6) يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 93).
  7. (7) يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 52).
  8. (8) يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 65).
  9. (9) يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 201).
  10. (10) يُنظر: ((المخصص)) (5/ 227).
  11. (11) يُنظر: ((تفسير السعدي)) (5/300).
  12. (12) يُنظر: ((الكواشف الجلية عن معاني الواسطية)) (ص: 270).