الْغَضَبُ
صِفةٌ فعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قولُه تَعالَى:
وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور: 9] .
2- قَولُه:
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه: 81] .
3- قَولُه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة: 13] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: 1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((إنَّ رَحْمَتِي غلَبَتْ غَضَبي))
.
2- حديثُ الشَّفاعةِ الطَّويلُ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا وفيه:
((إنَّ ربِّي قدْ غضِبَ اليومَ غَضبًا لم يَغضَبْ قَبلَه مِثلَه، ولنْ يَغضبَ بَعدَه مِثلَه ... ))
.
فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يُثبِتونَ صِفةَ الغَضبِ للهِ عزَّ وجلَّ على الوَجهِ الَّذي يَليقُ بجَلالِه وعَظمتِه؛ لا يُكيِّفونَ ولا يُشبِّهونَ ولا يُحرِّفونَ ولا يُؤوِّلون؛ كمَن يَقولُ: الغضبُ إرادةُ العِقابِ، ولا يُعطِّلون، بل يَقولُونَ:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
قال عبدُ الواحدِ بنُ عبدِ العزيز التميمي الحنبلي ضِمنَ ذِكرِه لجُملةِ اعتقادِ
أحمدَ بنِ حَنبَلٍ: (ذهب
أحمدُ بنُ حَنبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه إلى أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يغضَبُ ويرضى، وأنَّ له غَضَبًا ورضًا، وقرأ
أحمدُ قَولَه عزَّ وجَلَّ:
وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه: 81] )
.
وقال الدَّارمي: (عارَضَ المعارِضُ أيضًا أشياءَ مِن صفاتِ اللهِ تعالى التي هي مذكورةٌ في كتابِ اللهِ، ونازع في الآياتِ التي ذُكِرَت فيها؛ ليغالِطَ النَّاسَ في تفسيرِها؛ فذكر منها: الحُبَّ والبُغضَ، والغَضَبَ، والرِّضا، والفَرَحَ والكُرْهَ، والعَجَبَ والسَّخَطَ، والإرادةَ والمشيئةَ؛ ليُدخِلَ عليها من الأغلوطاتِ ما أدخل على غيرِها ممَّا حكَيناه عنهـ) إلى أن قال: (وقال:
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ [الفتح: 6] ، ثمَّ ذكر إغضابَ الخَلْقِ إيَّاه، فقال تعالى:
فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف: 55] يقول: أغضَبونا، فذكر أنَّه يَغضَبُ ويُغضَبُ... فهذا النَّاطِقُ من كتابِ اللهِ يُستغنى فيه بظاهِرِ التنزيلِ عن التفسيرِ، وتَعرِفُه العامَّةُ والخاصَّةُ، غيرُ هؤلاء الملْحِدين في آياتِ اللهِ الذين غالَطوا فيها الضُّعَفاءَ)
.
وقال
الطَّحاويُّ: (واللهُ يَغضَبُ ويَرْضَى لا كَأَحدٍ مِن الوَرَى)
.
وقال ابنُ أبي زيد القيرواني: (ممَّا أجمعت عليه الأئمَّةُ من أمورِ الدِّيانةِ، ومن السُّنَنِ التي خلافُها بِدعةٌ وضلالةٌ... أنَّه يرضى عن الطَّائعين ويحِبُّ التَّوَّابين ويَسخَطُ على من كَفَر به ويَغضَبُ، فلا يقومُ شيءٌ لغَضَبِه... وكُلُّ ما قَدَّمْنا ذِكْرَه فهو قَولُ أهلِ السُّنَّةِ وأئمَّةِ النَّاسِ في الفِقهِ والحديثِ على ما بَيَّنَّاه، وكُلُّه قَولُ مالكٍ؛ فمنه منصوصٌ من قَولِه، ومنه معلومٌ مِن مَذهَبِهـ)
.
وقال أبو نَصرٍ السِّجزي بعد أن ذكر جملةً من أحاديثِ الصِّفاتِ: (ومن ذلك الغَضَبُ، والرِّضا، وغيرُ ذلك، وقد نطق القرآنُ بأكثَرِها، وعند أهلِ الأثَرِ أنَّها صِفاتُ ذاتِه، لا يُفَسَّرُ منها إلَّا ما فسَّره النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو الصَّحابيُّ، بل نُمِرُّ هذه الأحاديثَ على ما جاءت، بعد قَبولِها والإيمانِ بها والاعتِقادِ بما فيها، بلا كيفيَّةٍ)
.
وقال
أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (قال عُلماؤُنا: يُوصَفُ اللهُ بالغَضبِ)
.
وقال عبدُ الوهَّابِ بنُ عبدِ الواحِدِ بن الحنبلي: (إنَّنا نَصِفُ اللهَ تعالى بالغَضَبِ، ولا نَصِفُه بالحَرَدِ، وهما واحِدٌ؛ لأنَّ الغَضَبَ نَطَق به القرآنُ، فقُلْنا كما قال، والحَرَدُ ليس ينطِقُ به القرآنُ، ولم يذكُرْه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فلهذا لم يجُزْ أن يُوصَفَ اللهُ تعالى بهـ)
.
وقال ابنُ أَبي العِزِّ الحَنفيُّ: (مَذهَبُ السَّلَفِ وسائرِ الأئمَّةِ إثباتُ صِفةِ الغَضبِ والرِّضا، والعَداوةِ والوَلايةِ، والحُبِّ والبُغضِ، ونحوِ ذلك من الصِّفاتِ التي ورَدَ بها الكِتابُ والسُّنَّةُ)
.
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (والعذابُ إنَّما يَنشأُ مِن صِفة غَضبِه، وما سُعِّرتِ النارُ إلَّا بغَضبِهـ)
.
وقال أيضًا: (إنَّ ما وصَفَ اللهُ سُبحانَه به نَفْسَه؛ مِن المحبَّةِ والرِّضا، والفَرَحِ والغضَبِ، والبُغْضِ والسَّخَطِ: مِن أعظَمِ صِفاتِ الكَمالِ)
.
وقال
محمود الألوسي: (أنا أقولُ كما قال سَلَفُ الأُمَّةِ: وهو أي: الغَضَبُ صفةٌ لله تعالى لائقةٌ بجلالِ ذاتِه، لا أعلَمُ حقيقتَها، ولا كيف هي، والعَجزُ عن دَرَكِ الإدراكِ إدراكٌ، والكلامُ فيه كالكلامِ في الرَّحمةِ حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ)
.
وقال
ابنُ عُثَيمين: (غضَبُ اللهِ عزَّ وجلَّ صِفةٌ من صِفاتِه الفِعليَّةِ؛ لأنَّه يَتعلَّقُ بمشيئتِه، وقد سبَق لنا القولُ بأنَّ كُلَّ صفةٍ ذاتِ سببٍ فإنَّها مِن الصِّفاتِ الفِعليَّةِ، وهو حَقيقيٌّ)
.