الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّاني: تَعريفُ الوَلاءِ اصطِلاحًا

الوَلاء اصطِلاحًا: هو مُوافَقةُ العَبدِ لرَبِّه فيما يُحِبُّه ويَرْضاه مِنَ الأقوالِ والأفعالِ والاعتِقاداتِ والذَّواتِ، ويَلزَمُ مِن ذلك المَحَبَّةُ والنُّصرةُ للهِ ولرَسولِه ودينِه وعامَّةِ المُؤمِنينَ، ويُطلَقُ الوَلاءُ على الميراثِ الذي يَستَحِقُّه المرءُ بسَبَبِ عِتْقِ شَخصٍ في مِلْكِه، أو بسَبَبِ عَقدِ المُوالاةِ، والمرادُ هنا المعنى الأوَّلُ، فمَحَلُّ الوَلايةِ الأُمورُ المحبوبةُ للهِ [848] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) لابن تيمية (ص: 9)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/ 106)، ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 255)، ((تفسير المنار)) لرشيد رضا (8/ 87)، ((الولاء والبراء في الإسلام)) للقحطاني (ص: 90)، ((تسهيل العقيدة الإسلامية)) لعبد الله الجبرين (ص: 543). .
قال اللهُ تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس: 62 - 64] .
وقال اللهُ سُبحانَه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71] .
وقال اللهُ تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 55، 56].
قال ابنُ جريرٍ: (يعني تعالى ذِكْرُه بقَولِه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ليس لكم -أيُّها المُؤمِنونَ- ناصِرٌ إلَّا اللهُ ورَسولُه والمؤمِنونَ، الذين صِفَتُهم ما ذَكَر تعالى ذِكْرُه، فأمَّا اليَهودُ والنَّصارى الذين أمَرَكم اللهُ أن تَبَرَّؤوا مِن وَلايتِهم، ونهاكم أن تتَّخِذوا منهم أولياءَ؛ فلَيسُوا لكم أولياءُ ولا نُصَراءُ، بل بَعْضُهم أولياءُ بَعضٍ، ولا تتَّخِذوا منهم وَلِيًّا ولا نصيرًا) [849] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/ 529). .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] أي: في التَّوالي والتَّعاضُدِ والتَّراحُمِ، وهو في معنى قَولِه تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة: 71] ) [850] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 220). .
وقال السَّعديُّ: (لَمَّا نهى عن وَلايةِ الكُفَّارِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى وغيرِهم، وذَكَر مآلَ توَلِّيهم أنَّه الخُسرانُ المُبِينُ، أخبَرَ تعالى مَن يَجِبُ ويتعَيَّنُ توَلِّيه، وذكَرَ فائِدةَ ذلك ومَصلَحتَه، فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فوَلايةُ اللهِ تُدرَكُ بالإيمانِ والتَّقوى؛ فكُلُّ من كان مُؤمِنًا تَقيًّا كان لله وَلِيًّا، ومَن كان وَلِيًّا للهِ فهو وَلِيٌّ لرَسولِه، ومن توَلَّى اللهَ ورَسولَه، كان تمامُ ذلك توَلِّي مَن توَلَّاه، وهم المؤمِنونَ الذين قاموا بالإيمانِ ظاهِرًا وباطِنًا، وأخلَصوا للمَعبودِ، بإقامتِهم الصَّلاةَ بشُروطِها وفُروضِها ومُكَمِّلاتِها، وأحسَنوا للخَلْقِ، وبَذَلوا الزَّكاةَ مِن أموالِهم لمُستَحِقِّيها منهم.
وقَولُه: وَهُمْ رَاكِعُونَ أي: خاضِعونَ لله ذليلونَ؛ فأداةُ الحَصْرِ في قَولِه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا تدُلُّ على أنَّه يجِبُ قَصْرُ الوَلايةِ على المذكورينَ، والتبَرِّي مِن وَلايةِ غَيرِهم.
ثمَّ ذَكَر فائِدةَ هذه الوَلايةِ، فقال: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ أي: فإنَّه مِنَ الحِزبِ المضافِينَ إلى اللهِ إضافةَ عُبوديَّةٍ ووَلايةٍ، وحِزبُه هم الغالِبونَ الذين لهم العاقِبةُ في الدُّنيا والآخِرةِ، كما قال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 173] ، وهذه بِشارةٌ عَظيمةٌ لِمن قام بأمْرِ اللهِ وصار مِن حِزْبِه وجُندِه؛ أنَّ له الغَلَبةَ، وإنْ أُدِيلَ عليه في بَعضِ الأحيانِ؛ لحِكمةٍ يُريدُها اللهُ تعالى، فآخِرُ أمْرِه الغَلَبةُ والانتِصارُ، ومَن أصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا؟) [851] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 236). .

انظر أيضا: