الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: الإجماعُ على وُجوبِ الإيمانِ بالقَضاءِ والقَدَرِ

1- قال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (أجمع سبعون رجلًا من التابعين، وأئمَّةِ المُسلِمين، وأئمَّةِ السَّلَفِ، وفُقهاءِ الأمصارِ؛ على أنَّ السُّنَّةَ التي توُفِّيَ عليها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَّلُها الِّرضا بقضاءِ اللهِ، والتسليمُ لأمرِ اللهِ، والصَّبرُ تحتَ حُكمِه، والأخذُ بما أمر اللهُ به، والنهيُ عمَّا نهى عنه، وإخلاصُ العَمَلِ للهِ، والإيمانُ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، وتَرْكُ المِراءِ والجِدالِ والخُصوماتِ في الدِّينِ)( يُنظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 240). .
2- قال إسحاقُ بنُ هانئٍ: (حضَرْتُ رجلًا عند أبي عبدِ اللهِ يعني: أحمدَ بنَ حَنبَلٍ، وهو يسألُه، فجعل الرَّجُلُ يقولُ: يا أبا عبدِ اللهِ، رأسُ الأمرِ وإجماعُ المُسلِمين على أنَّ الإيمانَ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، حُلوِه ومُرِّه، والتسليمَ لأمْرِه، والرِّضا بقضائِه؟
فقال أبو عبد اللهِ: نعم)( يُنظر: ((مسائل أحمد بن حنبل رواية ابن هانئ)) (ص: 420). .
3- قال البخاريُّ: (لقيتُ أكثَرَ مِن ألْفِ رَجُلٍ مِن أهلِ العِلمِ؛ أهلِ الحِجازِ ومكَّةَ والمدينةِ والكوفةِ والبَصرةِ وواسِطٍ وبَغدادَ والشَّامِ ومِصرَ، لَقِيتُهم كَرَّاتٍ قَرنًا بعد قَرنٍ ثمَّ قَرنًا بعد قَرنٍ، أدركتُهم وهم متوافِرون منذُ أكثَرَ مِن سِتٍّ وأربعين سنةً... فما رأيتُ واحِدًا منهم يختَلِفُ في هذه الأشياءِ:... وأنَّ الخيرَ والشَّرَّ بقَدَرٍ؛ لقَولِه: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلْقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق: 2] ، ولقَولِه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96] ، ولقَولِه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49])( يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (1/ 194-196). .
4- قال أبو زُرعةَ وأبو حاتمٍ الرَّازيان: (أدرَكْنا العُلَماءَ في جميعِ الأمصارِ؛ حِجازًا وعِراقًا وشامًا ويَمَنًا، فكان من مَذهَبِهم:... والقَدَرُ خَيرُه وشَرُّه مِنَ اللهِ عزَّ وجَلَّ)( يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (1/ 198). .
5- قال ابنُ قُتيبةَ: (إنَّ أصحابَ الحَديثِ كُلَّهم مجمِعون على أنَّ ما شاء اللهُ كان، وما لم يشَأْ لا يكونُ، وعلى أنَّه خالِقُ الخَيرِ والشَّرِّ)( يُنظر: ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 64). .
6- قال أبو الحسَنِ الأشعريُّ: (هذه حكايةُ جُملةِ قَولِ أصحابِ الحَديثِ وأهلِ السُّنَّةِ... والإيمانُ عِندَهم هو: الإيمانُ باللهِ، وملائِكَتِه، وكُتُبِه، ورُسُلِه، وبالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، حُلْوِه ومُرِّه، وأنَّ ما أخطأهم لم يكُنْ لِيُصيبَهم، وما أصابهم لم يكُنْ لِيُخطِئَهم)( يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) (ص: 226). .
7- قال الإسماعيليُّ: (مَذهَبُ أهلِ الحديثِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ... ويقولونَ: إنَّ الخَيرَ والشَّرَّ والحُلْوَ والمُرَّ، بقَضاءٍ من اللهِ عزَّ وجَلَّ، أمضاه وقَدَّره، لا يملِكون لأنفُسِهم ضَرًّا ولا نفعًا إلَّا ما شاء اللهُ)( يُنظر: ((اعتقاد أئمة الحديث)) (ص: 49-62). .
8- قال عبدُ الغَنيِّ المَقدِسيُّ: (أجمع أئمَّةُ السَّلَفِ مِن أهلِ الإسلامِ على الإيمانِ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، حُلْوِه ومُرِّه، قليلِه وكثيرِه، بقَضاءِ اللهِ وقَدرِه، لا يكونُ شيءٌ إلَّا بإرادتِه، ولا يجري خيرٌ وشَرٌّ إلَّا بمشيئتِه، خَلَق من شاء للسَّعادةِ واستعمله بها فضلًا، وخلق من أراد للشَّقاءِ واستعمله به عدلًا، فهو سِرٌّ استأثر به، وعِلمٌ حَجَبه عن خَلْقِه، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)( يُنظر: ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: 151). .
9- قال النووي: (اعلَمْ أنَّ مَذهَبَ أهلِ الحَقِّ إثباتُ القَدَر، ومعناه: أنَّ اللهَ تبارك وتعالى قدَّر الأشياءَ في القِدَمِ، وعَلِم سُبحانَه أنها ستقع في أوقاتٍ معلومةٍ عنده سُبحانَه وتعالى، وعلى صفاتٍ مخصوصةٍ، فهي تقَعُ على حَسَبِ ما قدَّرها سُبحانَه وتعالى)( يُنظر: ((شرح مسلم)) (1/154). .
10- قال ابنُ تيميَّةَ: (تؤمِنُ الفِرقةُ النَّاجيةُ أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه)( يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) (ص: 105). .
وقال أيضًا: (ممَّا اتَّفَق عليه سَلَفُ الأُمَّةِ وأئمَّتُها مع إيمانِهم بالقَضاءِ والقَدَرِ وأنَّ اللهَ خالِقُ كُلِّ شيءٍ، وأنَّه ما شاء كان وما لم يشَأْ لم يكُنْ، وأنَّه يُضِلُّ من يشاءُ ويهدي من يشاءُ: أنَّ العِبادَ لهم مشيئةٌ وقُدرةٌ يفعلون بمشيئتِهم وقُدرتِهم ما أقدَرَهم اللهُ عليه مع قَولِهم: إنَّ العبادَ لا يشاؤونَ إلَّا أن يشاءَ اللهُ. كما قال اللهُ تعالى: كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر: 54 - 56] الآية. وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان: 29، 30]، وقال: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 27 - 29]، والقرآنُ قد أخبر بأنَّ العبادَ يُؤمِنون ويَكفُرون ويفعلون ويَعمَلون ويَكسِبون ويُطيعون ويَعصُون ويُقيمون الصَّلاةَ ويُؤتون الزكاةَ ويحُجُّون ويعتَمِرون ويقتُلون ويَزنون ويَسرِقون ويَصدُقون ويَكذِبون ويأكُلون ويَشرَبون ويقاتِلون ويحارِبون، فلم يكُنْ من السَّلَفِ والأئمَّةِ من يقولُ: إنَّ العبدَ ليس بفاعلٍ ولا مختارٍ ولا مُريدٍ ولا قادرٍ، ولا قال أحدٌ منهم: إنَّه فاعِلٌ مجازًا، بل من تكلَّم منهم بلفظِ الحقيقةِ والمجازِ مُتَّفِقون على أنَّ العبدَ فاعِلٌ حقيقةً، واللهُ تعالى خالِقُ ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه)( يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/459). .
وقال أيضًا: (سَلَفُ الأُمَّةِ وأئمَّتُها مُتَّفِقون أيضًا على أنَّ العبادَ مأمورون بما أمرهم اللهُ به منهيُّون عما نهاهم اللهُ عنه، ومُتَّفِقون على الإيمانِ بوَعدِه ووعيدِه الذي نطق به الكِتابُ والسُّنَّةُ، ومُتَّفِقون أنَّه لا حُجَّةَ لأحدٍ على اللهِ في واجبٍ تركَه ولا محرَّمٍ فَعَله، بل للهِ الحُجَّةُ البالغةُ على عبادِه، ومن احتجَّ بالقَدَرِ على تَركِ مأمورٍ أو فعلِ محظورٍ أو دَفْعِ ما جاءت به النصوصُ في الوعدِ والوعيدِ، فهو أعظَمُ ضَلالًا وافتراءً على اللهِ ومخالفةً لدينِ اللهِ من أولئك القَدَريَّةِ)( يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/452). .
ومن أقوالِ السَّلَفِ وأهلِ العِلمِ في وُجوبِ الإيمانِ بالقَضاءِ والقَدَرِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (القَدَرُ نِظامُ التوحيدِ، فمن وحَّد اللهَ عزَّ وجَلَّ، وآمن بالقَدَرِ، فهي العُروةُ الوُثقى التي لا انفصامَ لها، ومن وحَّد اللهَ تعالى، وكذَّب بالقَدَرِ، نَقَض التوحيدَ)( يُنظر: ((السنة)) لعبد الله بن أحمد (2/ 422)، ((القدر)) للفريابي (ص: 143). .
2- عن الحَسَنِ البصريِّ قال: (من كَفَر بالقَدَرِ، فقد كفر بالإسلامِ؛ إنَّ اللهَ خَلَق خَلقًا، فخلقهم بقَدَرٍ، وقسَّم الآجالَ بقَدَرٍ، وقسَّم أرزاقَهم بقَدَرٍ، والبلاءُ بقَدَرٍ، والعافيةُ بقَدَرٍ)( يُنظر: ((القدر)) للفريابي (ص: 188)، ((الشريعة)) للآجري (2/ 882). .
3- عن زيدِ بنِ أسلَمَ قال: (القَدَرُ قُدرةُ اللهِ عزَّ وجَلَّ، فمن كذَّب بالقَدَرِ، فقد جحد قُدرةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ)( يُنظر: ((القدر)) للفريابي (ص: 144). .
4- قال البُخاريُّ: سَمِعتُ عُبَيدَ اللهِ بنَ سَعيدٍ يقولُ: سمعتُ يحيى بنَ سعيدٍ يقولُ: ما زِلتُ أسمع أصحابَنا يقولون: (إنَّ أفعالَ العبادِ مخلوقةٌ)( يُنظر: ((خلق أفعال العباد)) (2/70). .
5- قال مالِكٌ: (ما أضَلَّ من كذَّب بالقَدَرِ! لو لم يكُنْ عليهم فيه حُجَّةٌ إلَّا قَولُه تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن: 2] لكفى بها حُجَّةً)( يُنظر: ((القدر)) للفريابي (ص: 186). .
6- قال الشَّافعيُّ في وصيَّتِه: (... وأنَّ القَدَرَ خَيرَه وشَرَّه من اللهِ عزَّ وجَلَّ، لا يكونُ إلَّا ما أراد اللهُ وقضاه وقَدَّره)( يُنظر: ((اعتقاد الشافعي)) للهكاري (ص: 15). .
وقال البيهقيُّ: (سُئِلَ الشَّافعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه عن القَدَرِ، فأنشأ يقولُ:
ما شِئتَ كان وإنْ لم أشَأْ           وما شِئتُ إن لم تشَأْ لم يَكُنْ
خَلَقْتَ العِبادَ على ما عَلِمْتَ               ففي العِلمِ يجري الفتى والمُسِنّْ
على ذا مَنَنْتَ وهذا خذَلْتَ                 وهذا أعَنْتَ وذا لم تُعِنْ
فمنهم شَقيٌّ ومنهم سعيدٌ          ومنهم قبيحٌ ومنهم حَسَنْ

وعلى نحوِ قَولِ الشَّافعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه في إثباتِ القَدَرِ للهِ، ووقوعِ أعمالِ العِبادِ بمشيئةِ اللهِ، دَرَج أعلامُ الصَّحابةِ والتابعينَ، وإلى مِثْلِ ذلك ذهب فُقَهاءُ الأمصارِ: الأوزاعيُّ، ومالِكُ بنُ أنَسٍ، وسفيانُ الثوريُّ، وسفيانُ بنُ عُيَينةَ، واللَّيثُ بنُ سَعدٍ، وأحمدُ بنُ حَنبلٍ، وإسحاقُ بنُ إبراهيمَ، وغيرُهم، رَضِيَ اللهُ عنهم، وحكينا عن أبي حنيفةَ رحمه اللهُ مِثْلَ ذلك، وهو فيما أخبرنا أبو عبد اللهِ الحافِظُ قال: سمعتُ أبا بكرٍ محمَّدَ بنَ جَعفَرٍ المزكِّي يقولُ: نا أبو العبَّاسِ أحمدُ بنُ سعيدِ بنِ مسعودٍ المرِّي قال: نا سعدُ بنُ مُعاذٍ قال: ثنا إبراهيمُ بنُ رُستُمَ قال: سمعتُ أبا عِصمةَ يقولُ: سألتُ أبا حنيفةَ: مَن أهلُ الجماعةِ؟ قال: من فضَّل أبا بكرٍ وعُمَرَ، وأحَبَّ عليًّا وعثمانَ، وآمَنَ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه مِنَ اللهِ)( يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 177). .
7- قال الحميدي: (السُّنَّةُ عندنا أن يؤمِنَ الرَّجُلُ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه حُلْوِه ومُرِّه، وأن يعلَمَ أنَّ ما أصابه لم يكن ليُخطِئَه، وأنَّ ما أخطأه لم يكُنْ لِيُصيبَه، وأنَّ ذلك كُلَّه قضاءٌ مِنَ اللهِ عزَّ وجَلَّ)( يُنظر: ((أصول السنة)) (2/ 546). .
8- قال أحمدُ بنُ حنبلٍ: (نؤمِنُ بالقَضاءِ والقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، حُلْوِه ومُرِّه من اللهِ)( يُنظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 227). .
وقال أيضًا: (القَدَرُ خَيرُه وشَرُّه، وقليلُه وكثيرُه، وظاهِرُه وباطِنُه، وحُلْوُه ومُرُّه، ومحبوبُه ومكروهُه، وحَسَنُه وسَيِّئُه، وأوَّلُه وآخِرُه: مِنَ اللهِ، قضاءً قضاه، وقَدَرًا قَدَّره عليهم، لا يعدو واحِدٌ منهم مشيئةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ولا يجاوِزُ قَضاءَه)( يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لأبي يعلى (1/ 25). .
9- قال ابنُ قتيبة: (عَدلُ القَولِ في القَدَرِ أن تعلَمَ أنَّ اللهَ عَدلٌ لا يجورُ، كيف خلق، وكيف قدَّر، وكيف أعطى، وكيف منع، وأنَّه لا يخرجُ من قُدرتِه شَيءٌ، ولا يكونُ في مَلَكوتِه من السَّمَواتِ والأرضِ إلَّا ما أراد، وأنَّه لا دَيْنَ لأحَدٍ عليه، ولا حَقَّ لأحدٍ قِبَلَه، فإن أعطى فبفَضلٍ، وإن منع فبعَدلٍ، وأنَّ العبادَ يستطيعون ويعمَلون، ويُجَزون بما يَكسِبون، وأنَّ للهِ لطيفةً يبتدئُ بها من أراد، ويتفضَّلُ بها على من أحَبَّ، ويوقِعُها في القلوبِ فيعودُ بها إلى طاعتِه، ويمنعُها من حَقَّت عليه كَلِمَتُه، فهذه جملةُ ما ينتهي إليه عِلمُ ابنِ آدَمَ مِن قَدَرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وما سِوى ذلك مخزونٌ عنه)( يُنظر: ((الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمُشبِّهة)) (ص: 35). .
10- قال الطحاويُّ: (خلق الخَلْقَ بعِلْمِه، وقدَّر لهم أقدارًا وضرب لهم آجالًا، ولم يَخْفَ عليه شيءٌ قبل أن يخلُقَهم، وعَلِمَ ما هم عاملون قبل أن يخلُقَهم، وأمرهم بطاعتِه، ونهاهم عن معصيتِه.
وكُلُّ شيءٍ يجري بتقديرِه ومشيئتِه، ومشيئتُه تَنفُذُ، لا مشيئةَ للعِبادِ إلَّا ما شاء لهم، فما شاء كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، يهدي من يشاءُ، ويَعصِمُ ويُعافي فضلًا، ويُضِلُّ من يشاءُ، ويَخذُلُ ويبتلي عَدْلًا. وكُلُّهم يتقَلَّبون في مشيئتِه بين فَضْلِه وعَدْلِه. وهو متعالٍ عن الأضدادِ والأندادِ، لا رادَّ لقَضائِه، ولا مُعَقِّبَ لحُكمِه، ولا غالِبَ لأمرِه. آمَنَّا بذلك كُلِّه، وأيقَنَّا أنَّ كلًّا مِن عِندِه)( يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 35). .
وقال أيضًا: (قد عَلِمَ اللهُ تعالى فيما لم يَزلْ عدَدَ من يدخُلُ الجنَّةَ، وعَدَدَ من يدخُلُ النَّارَ، جملةً واحدةً، لا يُزادُ في ذلك العَدَدِ، ولا يُنقَصُ منه. وكذلك أفعالِهم فيما عَلِم منهم أن يفعَلوه، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِق له، والأعمالُ بالخواتيمِ، والسَّعيدُ من سَعِدَ بقَضاءِ اللهِ، والشَّقيُّ من شَقِيَ بقَضاءِ اللهِ)( يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 48). .
11- قال الآجُرِّي: (مذهَبُنا في القَدَرِ أن نقولَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ خلق الجَنَّةَ وخلق النَّارَ، وخلق لكُلِّ واحدةٍ منهما أهلًا، وأقسم بعِزَّتِه أنَّه يملأ جهنَّمَ من الجِنَّةِ والنَّاسِ أجمعين. ثم خلق آدمَ عليه السَّلامُ، واستخرج من ظَهْرِه كُلَّ ذُريةٍ هو خالقُها إلى يومِ القيامةِ. ثمَّ جَعَلهم فريقينِ: فريقًا في الجنَّةِ وفريقًا في السعيرِ. وخلق إبليسَ، وأمره بالسُّجودِ لآدمَ، وقد عَلِم أنَّه لا يسجُدُ؛ للمقدورِ الذي قد جرى عليه من الشِّقوةِ والتي سبقت في العِلمِ من اللهِ عليه، لا معارِضَ للهِ في حُكمِه، يفعَلُ في خلْقِه ما يريدُ عدلًا من ربِّنا قضاؤه وقَدَرُه. وخلق آدمَ وحوَّاءَ عليهما السَّلامُ، للأرضِ خلَقَهما، أسكنهما الجنَّةَ، وأمرَهما أن يأكُلَا منها رَغَدًا ما شاءا، ونهاهما عن شَجَرةٍ واحدةٍ أن يَقْرَباها، وقد جرى مقدورُه أنهما سيعصيانِه بأكْلِهما من الشَّجَرةِ. فهو تبارك وتعالى في الظَّاهِرِ ينهاهما، وفي الباطِنِ مِن عِلْمِه قد قدَّر عليهما أنهما يأكُلانِ منها: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ لم يكُنْ لهما بُدٌّ من أكْلِهما، سببًا للمعصيةِ، وسببًا لخروجِهما من الجنَّةِ؛ إذ كانا للأرضِ خُلِقا، وأنه سيَغفِرُ لهما بعد المعصيةِ، كُلُّ ذلك سابِقٌ في عِلْمِه، لا يجوزُ أن يكون شيءٌ يحدثُ في جميعِ خَلْقِه إلَّا وقد جرى مقدورُه به، وأحاط به علمًا قبل كونِه أنَّه سيكونُ.
خلق الخَلْقَ كما شاء لما شاء، فجعلهم شقيًّا وسعيدًا قبل أن يخرِجَهم إلى الدُّنيا، وهم في بطونِ أمَّهاتِهم، وكتب آجالَهم، وكتب أرزاقَهم، وكتب أعمالَهم، ثم أخرجَهم إلى الدُّنيا، وكُلُّ إنسانٍ يسعى فيما كُتِبَ له وعليه.
ثم بعث رُسُلَه، وأنزل عليهم وَحْيَه، وأمرهم بالبلاغِ لخَلْقِه، فبلَّغوا رسالاتِ رَبِّهم، ونصحوا قومَهم، فمن جرى في مقدورِ اللهِ تعالى أن يؤمِنَ آمَنَ، ومن جرى في مقدورِه أن يَكفُرَ كَفَر؛ قال اللهُ تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن: 2] أحبَّ من أراد من عبادِه، فشَرَح صَدْرَه للإسلامِ والإيمانِ، ومَقَت آخرينَ، فختَمَ على قلوبِهم، وعلى سمعِهم وعلى أبصارِهم، فلن يهتدوا إذًا أبدًا، يُضِلُّ من يشاءُ، ويهدي من يشاءُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ الخَلقُ كُلُّهم له، يفعَلُ في خَلْقِه ما يريدُ غيرَ ظالمٍ لهم، جَلَّ ذِكْرُه عن أن يُنسَبَ رَبُّنا إلى الظُّلمِ، إنما يظلِمُ من يأخُذُ ما ليس له بمِلْكٍ، وأمَّا رَبُّنا تعالى فله ما في السَّمَواتِ وما في الأرضِ وما بينهما، وما تحت الثَّرى، وله الدُّنيا والآخرةُ، جَلَّ ذِكْرُه، وتقدَّست أسماؤه، أحبَّ الطَّاعةَ من عبادِه، وأمر بها، فجَرَت ممن أطاعه بتوفيقِه لهم، ونهى عن المعاصي، وأراد كونَها من غير محبَّةٍ منه لها، ولا أمر بها، تعالى عزَّ وجَلَّ عن أن يأمُرَ بالفَحشاءِ أو يحِبَّها، وجلَّ اللهُ تعالى ربُّنا من أن يَجرِيَ في مُلكِه ما لم يُرِدْ أن يجرِيَ، أو شيءٌ لم يُحِطْ به عِلْمُه قبل كونِه، قد عَلِمَ ما الخَلقُ عاملون قبل أن يخلُقَهم، وبعد أن خلقهم قبل أن يعمَلوا، قضاءٌ وقَدَرٌ. قد جرى القَلَمُ بأمرِه تعالى في اللَّوحِ المحفوظِ بما يكونُ من بِرٍّ أو فجورٍ، يُثني على من عمل بطاعتِه من عبيدِه، ويضيفُ العَمَلَ إلى العبادِ، ويَعِدُهم عليه الجزاءَ العظيمَ، لولا توفيقُه لهم ما عملوا ما استوجبوا به منه الجزاءَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 21] ، وكذا ذَمَّ قومًا عَمِلوا بمعصيتِه، وتوعَّدهم على العَمَلِ بها النَّارَ، وأضاف العمَلَ إليهم بما عَمِلوا، وذلك بمقدورٍ جرى عليهم، يُضِلُّ من يشاءُ، ويهدي من يشاءُ)( يُنظر: ((الشريعة)) (2/ 702). .
12- قال ابنُ أبي زيدٍ القيروانيُّ: (الإيمانُ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه حُلْوِه ومُرِّه، وكُلُّ ذلك قد قدَّره اللهُ ربُّنا، ومقاديرُ الأُمورِ بيَدِه، ومَصدَرُها عن قضائِه، عَلِمَ كُلَّ شَيءٍ قبل كونِه، فجرى على قَدَرِه، لا يكونُ من عبادِه قَولٌ ولا عَمَلٌ إلَّا وقد قضاه وسبق عِلْمُه به أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14] ، يُضِلُّ من يشاءُ فيَخذُلُه بعَدْلِه، ويهدي من يشاءُ فيُوَفِّقُه بفَضلِه، فكُلٌّ مُيَسَّرٌ بتيسيرِه إلى ما سبق من عِلمِه وقَدَرِه، من شَقِيٍّ أو سعيدٍ)( يُنظر: ((عقيدة السلف – مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة)) (ص: 57). .
13- قال ابنُ بطة: (أمَّا القَدَرُ فعلى وجهينِ: أحدُهما: فَرضٌ علينا عِلْمُه ومعرفتُه، والإيمانُ به والتصديقُ بجميعِه. والآخَرُ: فحرامٌ علينا التفكُّرُ فيه والمسألةُ عنه، والمناظرةُ عليه، والكلامُ لأهلِه، والخصومةُ به.
فأما الواجِبُ علينا عِلمُه والتصديقُ به والإقرارُ بجميعِه: أن نعلَمَ أنَّ الخيرَ والشَّرَّ من اللهِ، وأنَّ الطاعةَ والمعصيةَ بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وأنَّ ما أصابنا لم يكُنْ لِيُخطِئَنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبَنا، وأنَّ اللهَ خلق الجنَّةَ وخلق لها أهلًا، عَلِمَهم بأسمائهم وأسماءِ آبائهم، ووفَّقهم لأعمالٍ صالحةٍ رضيَها أمَرَهُم بها، فوفَّقهم لها، وأعانهم عليها، وشكَرَهم بها، وأثابهم الجنَّةَ عليها تفضلًا منه ورحمةً، وخلق النَّارَ وخلق لها أهلًا، أحصاهم عددًا، وعلم ما يكونُ منهم، وقدَّر عليهم ما كرهه لهم، خذلهم بها وعذَّبهم لأجْلِها غيرَ ظالمٍ لهم، ولا هم معذورون فيما حكَمَ عليهم به، فكُلُّ هذا وأشباهُه من عِلمِ القَدَرِ الذي لزم الخَلْقَ عِلمُه والإيمانُ به والتسليمُ لأمرِ اللهِ وحُكمِه وقضائِه وقَدَرِه، فلا يُسأَلُ عمَّا يفعَلُ وهم يُسأَلون. وسيأتي من عِلمِ القَدَرِ وما يجِبُ على المسلمين عِلمُه والمعرفةُ به وما لا يسَعُهم جَهْلُه مشروحًا مفصَّلًا في أبوابِه على ما جاء به نصُّ التنزيلِ ومضت به سُنَّةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وباللهِ نستعينُ، وهو حَسْبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ)( يُنظر: ((الإبانة الكبرى)) (3/ 247). .
14- قال أبو عُثمانَ الصابونيُّ: (من قَولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في أكسابِ العِبادِ أنها مخلوقةٌ للهِ تعالى لا يمترون فيه، ولا يَعُدُّون مِن أهلِ الهدى ودينِ الحَقِّ من يُنكِرُ هذا القَولَ وينفيه، ويَشهَدون أنَّ اللهَ تعالى يهدي من يشاءُ لدينِه، ويُضِلُّ من يشاءُ عنه، لا حُجَّةَ لِمن أضلَّه اللهُ عليه، ولا عُذْرَ له لديه... ويشهَدُ أهلُ السُّنَّةِ ويعتقدون أنَّ الخيَر والشَّرَّ والنَّفعَ والضُّرَّ بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه لا مَرَدَّ لها، ولا محيصَ ولا محيدَ عنها، ولا يصيبُ المرءَ إلَّا ما كتبه له ربُّه... ومن مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ وطريقتِهم -مع قَولهم بأنَّ الخيرَ والشَّرَّ من اللهِ وبقضائِه- أنَّه لا يضافُ إلى اللهِ ما يُتوهَّمُ منه نقصٌ على الانفرادِ، فيقال: يا خالِقَ القِرَدةِ والخنازيرِ والخنافِسِ والجُعْلانِ، وإن كان لا مخلوقَ إلَّا والرَّبُّ خالِقُه... ومن مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ مريدٌ لجميعِ أعمالِ العبادِ خَيرِها وشَرِّها... فكُفرُ الكافرين وإيمانُ المؤمنين بقضائِه سُبحانَه وتعالى وقَدَرِه، وإرادتِه ومشيئتِه، أراد كُلَّ ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمانَ والطاعةَ، ويَسخَطُ الكُفرَ والمعصيةَ)( يُنظر: ((عقيدة السلف وأصحاب الحديث)) (ص: 279-286). .
15- قال النوويُّ في شَرحِه لأحاديثِ القَدَرِ مِن صحيحِ مُسلمٍ: (في هذه الأحاديثِ كُلِّها دلالاتٌ ظاهِرةٌ لمَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ في إثباتِ القَدَرِ، وأنَّ جميعَ الواقعاتِ بقضاءِ اللهِ تعالى وقَدَرِه خيرِها وشَرِّها نَفْعِها وضَرِّها)( يُنظر: ((شرح مسلم)) (16/195). .
وقال أيضًا: (تظاهرت الأدِلَّةُ القَطعيَّاتُ من الكِتابِ والسُّنَّةِ، وإجماعِ الصَّحابةِ، وأهلِ الحَلِّ والعَقدِ من السَّلَفِ والخَلَفِ؛ على إثباتِ قَدَرِ اللهِ سُبحانَه وتعالى)( يُنظر: ((شرح مسلم)) (1/155). .
16- قال ابنُ تيميَّةَ: (مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في هذا البابِ وفي غيرِه ما دلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ، وكان عليه السَّابقون الأوَّلون من المهاجِرين والأنصارِ، والذين اتَّبَعوهم بإحسانٍ: وهو أنَّ اللهَ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ورَبُّه ومليكُه، وقد دخل في ذلك جميعُ الأعيانِ القائمةِ بأنفُسِها وصفاتُها القائمةُ بها من أفعالِ العِبادِ وغيرِ أفعالِ العِبادِ. وأنَّه سُبحانَه ما شاء كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، فلا يكونُ في الوُجودِ شَيءٌ إلَّا بمشيئتِه وقُدرتِه، لا يمتنِعُ عليه شيءٌ شاءَه، بل هو قادِرٌ على كُلِّ شيءٍ، ولا يشاءُ شيئًا إلَّا وهو قادرٌ عليه. وأنه سُبحانَه يعلمُ ما كان وما يكونُ، وما لم يكنْ لو كان كيف يكونُ، وقد دخل في ذلك أفعالُ العِبادِ وغَيرُها، وقد قدَّر اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلُقَهم: قدَّر آجالَهم وأرزاقَهم وأعمالَهم وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادةٍ وشقاوةٍ. فهم يؤمِنون بخَلْقِه لكُلِّ شَيءٍ، وقُدرتِه على كُلِّ شيءٍ، ومشيئتِه لكُلِّ ما كان، وعِلْمِه بالأشياءِ قبل أن تكونَ، وتقديرِه لها، وكتابتِه إيَّاها قبل أن تكونَ)( يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/449). .
وقال أيضًا: (مَنْ لم يَقُلْ بقَولِ السَّلَفِ فإنَّه لا يُثبِتُ للهِ قدرةً، ولا يثبتُه قادرًا، فالجهميَّةُ ومن اتَّبَعهم، والمُعتَزِلةُ، والقَدَريةُ المُجْبِرةُ والنَّافية؛ حقيقةُ قَولِهم أنَّه ليس قادرًا، وليس له المُلْكُ، فإنَّ المُلكَ إمَّا أن يكونَ هو القُدْرةَ، أو المقدورَ، أو كليهما، وعلى كُلِّ تقديرٍ فلا بدَّ من القُدْرةِ، فمن لم يُثبِتْ له القُدْرةَ حقيقةً لم يُثبِتْ له مُلكًا)( يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/30). .
وقال أيضًا: (اتَّفق المُسلِمون وسائِرُ أهلِ المِلَلِ على أنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ كما نطق بذلك القرآنُ في مواضِعَ كثيرةٍ جِدًّا)( يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 7). .
17- قال ابنُ القَيِّمِ: (إنَّ أهَمَّ ما يجِبُ معرفتُه على المكَلَّفِ النبيلِ فَضلًا عن الفاضلِ الجليلِ: ما ورد في القَضاءِ والقَدَرِ والحِكمةِ والتعليلِ؛ فهو من أسنى المقاصِدِ، والإيمانُ به قُطبُ رحى التوحيدِ ونظامُه، ومبدأُ الدِّينِ المُبِينِ وختامُه، فهو أحدُ أركانِ رالإيمان، وقاعدةُ أساسِ الإحسانِ، التي يرجِعُ إليها، ويدورُ في جميعِ تصاريفِه عليها)( يُنظر: ((شفاء العليل)) (ص: 7). .
وقال أيضًا: (قال الإمامُ أحمدُ: القَدَرُ قدرةُ اللهِ. واستحسن ابنُ عَقيلٍ هذا الكلامَ جِدًّا، وقال: هذا يدُلُّ على دِقَّةِ أحمدَ وتبحُّرِه في معرفةِ أُصولِ الدِّينِ، وهو كما قال أبو الوفاءِ، فإنَّ إنكارَه إنكارٌ لقُدرةِ الرَّبِّ على خَلقِ أفعالِ العِبادِ وكتابتِها وتقديرِها)( يُنظر: ((شفاء العليل)) (ص: 80). .
18- قال ابنُ حَجَرٍ: (مَذهَبُ السَّلَفِ قاطِبةً أنَّ الأمورَ كُلَّها بتقديرِ اللهِ تعالى، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ [الحجر: 21 ])( يُنظر: ((فتح الباري)) (11/478). .
19- قال السعدي: (من أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: الإيمانُ بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وهو داخِلٌ في الإيمانِ به وبكُتُبِه وبرُسُلِه، فيعلمون أنَّ اللهَ قد أحاط بكُلِّ شيءٍ عِلمًا، وأنَّه كتب في اللَّوحِ المحفوظِ جميعَ الحوادثِ صغيرَها وكبيرَها، سابِقَها ولاحِقَها، ثم قدَّرها وأجراها بمواقيتِها بحِكْمَتِه وقُدرَتِه وعنايتِه وتمامِ عِلْمِه، وأنَّه كما أنَّ جميعَ الحوادِثِ مُرتَبِطةٌ بحِكمتِه وعِلْمِه فإنَّها مرتَبِطةٌ بقدرتِه، وأنَّه ما شاء اللهُ كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، وأنَّ أعمالَ العبادِ كُلَّها خَيْرَها وشَرَّها داخِلةٌ في قضائِه وقُدرتِه، مع وقوعِها طِبْقَ إرادتِهم وقدرتِهم، ولم يجبِرْهم عليها، فإنَّه خلق لهم جميعَ القوى الظَّاهِرةِ والباطِنةِ، ومنها القُدْرةُ والإرادةُ التي بها يختارون وبها يفعلون)( يُنظر: ((فتح الرحيم الملك العلام)) (ص: 98).  .
20- قال ابنُ عثيمين: (الإيمانُ بالقَدَرِ واجِبٌ، ومرتبتُه في الدِّينِ أنَّه أحَدُ أركانِ الإيمانِ السِّتَّةِ)( يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 189). .
وقال أيضًا: (الإيمانُ بالقَدَرِ هو من رُبوبيَّةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ ولهذا قال الإمامُ أحمدُ رحمه اللهُ تعالى: «القَدَرُ قُدرةُ الله»ـ. لأنَّه من قدرتِه ومن عمومِها بلا شَكٍّ، وهو أيضًا سِرُّ اللهِ تعالى المكتومُ الذي لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ سُبحانَه وتعالى، مكتوبٌ في اللوحِ المحفوظِ، في الكِتابِ المكنونِ الذي لا يطَّلِعُ عليه أحدٌ، ونحن لا نعلَمُ بما قدَّره اللهُ لنا أو علينا، أو بما قدَّره اللهُ تعالى في مخلوقاته إلَّا بعد وقوعِه أو الخبرِ الصَّادِقِ عنه)( يُنظر: ((القضاء والقدر)) (ضمن مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) (5/ 216). .
والإيمانُ بالقَدَرِ يتضمَّنُ الإيمانَ بعِلمِ اللهِ وقُدرتِه ومَشيئتِه وخَلْقِه.
فللهِ تعالى القُدْرةُ المُطلَقةُ، وقدرتُه لا يُعجِزُها شيءٌ، ومن أسمائِه تبارك وتعالى القادِرُ والقديرُ والمقتَدِرُ، والقُدْرةُ صِفةٌ من صفاتِه.
فالقادِرُ: اسمُ فاعلٍ مِن قَدَر يَقدِرُ. والقديرُ فعيلٌ منه، وهو للمبالغةِ، ومعنى (القدير) الفاعِلُ لِما يشاءُ، على قَدْرِ ما تقتضيه الحِكمةُ لا زائدًا عليه، ولا ناقِصًا عنه؛ ولذلك لا يصِحُّ أن يُوصَفَ به إلَّا اللهُ عزَّ وجَلَّ.
قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف:33]. و(المقتَدِر) مفتَعِل مِن اقتَدَر، وهو أبلغُ من (قدير)، ومنه قَولُه تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ [القمر: 55]( يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) للزجاجي (ص: 48)، ((شأن الدعاء)) للخطابي (1/ 85). .

انظر أيضا: