الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: مَتى يَكونُ الحِسابُ؟

قال اللهُ تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: أحصى اللهُ ما عَمِلوا، فعَدَّه عليهم وأثبَتَه وحَفِظَه، ونَسِيَه عامِلوه، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [3692] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 467). .
فإذا جَمَعَ اللهُ عِبادَه في المَوقِفِ، وأذِنَ بفَصلِ القَضاءِ فيهم، أعطاهمُ اللهُ كُتُبَ أعمالِهم ليَقِفوا على ما فيها، ثُمَّ بَعدَ ذلك تَبدَأُ المُحاسَبةُ.
قال اللهُ سُبحانَه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا [الانشقاق: 7-10] .
قال القُرطُبيُّ: (فإذا وقفَ النَّاسُ على أعمالِهم، من الصُّحُفِ التي يُؤتَونَها بَعدَ البَعثِ حُوسِبوا عليها).
وقَبلَ حِسابِهم يَمتازُ كُلُّ فريقٍ عن الآخَرِ، فيَكونُ المُؤمِنونَ في مَكانٍ، ويَكونُ الكُفَّارُ في مَكانٍ آخَرَ.
قال اللهُ تعالى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس: 59] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يَقولُ تعالى مُخبِرًا عَمَّا يَؤولُ إليه حالُ الكُفَّارِ يَومَ القيامةِ من أمرِه لهم أن يَمتازَوا، بمَعنَى: يَتَمَيَّزونَ عن المُؤمِنينَ في مَوقِفِهم) [3693] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 584). .
وقال السَّعديُّ: (ذَكَرَ جَزاءَ المُجرِمينَ و أنَّهم يُقالُ لهم يَومَ القيامةِ امْتَازُوا الْيَومَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أي: تَمَيَّزوا عن المُؤمِنينَ، وكُونوا على حِدةٍ، ليوبِّخَهم ويُقرِّعَهم على رُءوسِ الأشهادِ قَبلَ أن يُدخِلَهمُ النَّارَ، فيَقولُ لهم: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ أي: آمُرُكم وأوصيكم على ألسِنةِ رُسُلي، وأقولُ لَكم: يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ أي: لا تُطيعوه؟ وهذا التَّوبيخُ يَدخُلُ فيه التَّوبيخُ عن جَميعِ أنواعِ الكُفرِ والمَعاصي؛ لأنَّها كُلَّها طاعةٌ للشَّيطانِ وعِبادةٌ له) [3694] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 698). .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ [يونس: 8] .
قال ابنُ كثيرٍ: (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ أي: الزَموا أنتم وهم مَكانًا مُعَيَّنًا، امتازوا فيه عن مَقامِ المُؤمِنينَ، كما قال تعالى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس: 59] ، وقال وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: 14] ، وفي الآيةِ الأخرى: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم: 43] أي: يَصيرونَ صَدِعينَ، وهذا يَكونُ إذا جاءَ الرَّبُّ تعالى لفَصلِ القَضاءِ) [3695] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4 / 264). .

انظر أيضا: