الموسوعة العقدية

الْمَبحَثُ الحاديَ عَشَرَ: التِماسُ العِلمِ عِندَ الأصاغِرِ

عَن أبي أمَيَّةَ الجُمَحيِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مِن أشراطِ السَّاعةِ أن يُلتَمَسَ العِلمُ عِندَ الأصاغِرِ)) [1937] أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (61)، والطبراني (22/361) (908)، والخطيب في ((الجامع)) (159) واللَّفظُ له. صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2207). .
قال نُعَيمٌ: قيلَ لابنِ الْمُبارَكِ: مَنِ الأصاغِرُ؟ قال: الذين يَقولونَ برَأيِهم، فأمَّا صَغيرٌ يَروي عن كبيرٍ فليس بصَغيرٍ [1938] يُنظر: ((الزهد)) لابن المبارك (1/ 21). .
وعَنِ ابنِ الْمَبارَكِ قال: (الأصاغِرُ مِن أهلِ البِدَعِ)  [1939]يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) لللالكائي (1/ 95). .
قال السَّخاويُّ وهو يُعَدِّدُ أشراطَ السَّاعةِ: (والتِماسُ العِلمِ عِندَ الأصاغِرِ فلا يَزالُ النَّاسُ بخَيرٍ ما أخَذوا العِلمَ عَن أكابِرِهم، فإذا أخَذوه عَن أصاغِرِهم هَلَكوا) [1940] يُنظر: ((القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة)) (ص: 92). .
وقال المُناويُّ: ( ((إنَّ مِن أشراطِ السَّاعةِ أن يُلتَمَسَ العِلمُ عِندَ الأصاغِرِ)) قال الطَّبرانيُّ عَن بَعضِهم: يُقالُ: إنَّ الْمَرادَ الأصاغِرُ مِن أهلِ البِدَعِ. وأخرَجَ الطَّبَرانيُّ عَنِ ابنِ مَسعودٍ: لا يَزالُ النَّاسُ صالِحين مُتَماسِكين ما أتاهمُ العِلمُ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومِن أكابِرِهم، فإذا أتاهم مِن أصاغِرِهم هَلكوا [1941] أخرجه عبد الرزاق (20446)، والطبراني (9/120) (8590). وثَّق رجالَه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/140). والأثر أخرجه بنحوه البيهقي في ((المدخل إلى السنن)) (275)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (1/369). صحَّح إسنادَه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (2/310). ، وقال بَعضُ الحُكَماءِ: سَوِّدوا كِبارَكم لتَعزُّوا، ولا تُسَوِّدوا صِغارَكم فتَذِلُّوا... وفي مُصَنَّفِ قاسِمِ بن أصبَغَ - بسَندٍ قال ابنُ حَجَرٍ: صَحيحٌ - عَن عُمَرَ: فسادُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الصَّغيرِ استَعصى عليه الكَبيرُ. وصَلاحُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الكَبيرِ تابَعَه عليه الصَّغيرُ. وذَكرَ أبو عُبَيدةَ أنَّ الْمُرادَ بالصَّغيرِ في هذا صَغيرُ القَدْرِ لا السِّنِّ) [1942] يُنظر: ((فيض القدير)) (2/ 533). .
وقال الصَّنعانيُّ: ( ((إنَّ مِن أشراطِ السَّاعةِ أن يُلتَمَسَ العِلمُ)) أي: يُطلَبَ ((عِندَ الأصاغِرِ)) أيِ: الحَديثةِ أسنانُهم، وقيلَ: الأراذِلُ. وعَن عُمَرَ: فسادُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الصَّغيرِ استَعصى عليه الكَبيرُ. وصَلاحُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الكَبيرِ تابَعَه عليه الصَّغيرُ. قال ابنُ حَجَرٍ: سَنَدُه صَحيحٌ، وإنَّما كان مِن أشراطِ السَّاعةِ؛ لأنَّه يَذهَبُ الشُّيوخُ وتَرغَبُ فيه الأحداثُ ثُمَّ يَهجُرونَه، أعني الأوَّلَ أو يَرغَبُ عَنه ذو الْمَناصِبِ ويَرغَبُ فيه غَيرُهم، فيَقِلُّ نَفعُه على الوَجهينِ) [1943] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (4/ 123). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (قَولُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مِن أشراطِ السَّاعةِ أن يُلتَمَسَ العِلمُ عِندَ الأصاغِرِ)) ما الْمَقصودُ بالأصاغِرِ هنا؟ هَل هو أصاغِرُ العِلمِ، أو أصاغِرُ في السِّنِّ؟
كُلُّها لأنَّ الأصاغِرَ في العِلمِ ما عِندَهم عِلمٌ كامِلٌ، والأصاغِرَ في السِّنِّ ما عِندَهم تَجرِبةٌ، والعِلمُ كما تَعلَمونَ: رَفعُ الجَهْلِ، والتَّربيةُ مِنَ السَّفَهِ؛ لهذا يُقالُ: عُلَماءُ رَبانيُّون، ما كُلُّ عالمٍ يَكونُ مُرَبِّيًا، بَعضُ العُلَماءِ على العَكسِ، يَفرَحُ إذا وجَدَ حيلةً مِنَ الحِيَلِ يَدُلُّ النَّاسُ عليها ليُسقِطَ بذلك فريضةً مِن فرائِضِ الله، أو تُنتَهَكَ حُرُماتٌ مِن مَحارِمِ الله، فلَيسَ كُلُّ عالِمٍ يَكونُ مُفيدًا للخَلقِ، فالمُرادُ بالصِّغارِ يَحتَمِلُ مَعنيَينِ: صِغارُ العِلمِ، وصِغارُ السِّنِّ. أمَّا صِغارُ العِلمِ: فجَهلُهم، وأمَّا صِغارُ السِّنِّ: لعَدَمِ تَربيتِهم؛ لأنَّه ما عِندَهم تَجارِبُ؛ ولِهذا حَذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن حُدَثاءِ الأسنانِ؛ لأنَّ حُدَثاءَ الأسنانِ ما عِندَهم دِرايةٌ وتَجرِبةٌ في الأمورِ، تَجِدُ عِندَهم إقدامًا في غَيرِ مَوضِعِ الإقدامِ، إحجامًا في غَيرِ مَوضِعِ الإحجامِ) [1944] يُنظر: ((الموقع الرسمي لابن عثيمين - شرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري - الشريط السادس)). .

انظر أيضا: