الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الرَّابعُ: طاعونُ عَمْواس

عَن عَوفِ بن مالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اعْدُدْ سِتًّا بينَ يَدَيِ السَّاعةِ)) فذَكَرَ مِنها: ((ثُمَّ مَوتانٌ يأخُذُ فيكُم كَقُعاصِ الغَنَمِ )) [1845] أخرجه البخاري (3176).
قال القُرطُبيُّ: (عَوفُ بن مالِكٍ الأشجَعيُّ: شَهِدَ مَوتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحَضَرَ فتحَ بَيتِ المَقدِسِ مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ عُمرَ بنِ الخَطَّاب، فتَحَه صُلحًا لِخَمسٍ خَلونَ مِن ذي القَعدةِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الهجرةِ، ثُمَّ حَضَرَ قِسمةَ كُنوزِ كِسرَى على يَدِ أميرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ، ثُمَّ شاهد قِتالَ الجَمَلِ وصِفِّينَ، وشاهدَ عَوفٌ رَضِيَ اللهُ عَنه أيضًا المَوتانَ الَّذي كانَ بالشَّامِ قَبلَ ذلك، وهو المُسَمَّى بطاعونِ عَمْواس، مات يومَئِذٍ سِتَّةٌ وعِشرونَ ألفًا. وقال المَدينيُّ: خَمسةٌ وعِشرونَ ألفًا... وعَمواس: قَريةٌ بينَ الرَّملةِ وبَيتِ المَقدِسِ، مات فيه أمينُ هَذِه الأمَّةِ أبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ، والأميرُ الفقيهُ أبو عَبدِ الرَّحمَنِ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ. قال الإمامُ أحمَدُ بن حَنبَلٍ في «تاريخِه»: كانَ طاعونُ عَمْواس سَنَةَ ثَماني عَشرة. أخرجه عَن أحمَدَ أبو زُرعةَ الرَّازي... وموتانِ: بضَمِّ الميمِ هيَ لُغةٌ، وغَيرُهم يَفتَحونَها، وهو اسمُ الطَّاعونِ والمَوتِ. و قَولُه: ((كَقُعاصِ الغَنمِ)): هو داءٌ يأخُذُها لا يُلْبِثُها، قاله أبو عُبيدةَ؛ لِأنَّ القعاصَ: المَوتُ العَجِلَ، ويُقالُ بالسِّينِ، وقيلَ: هو داءٌ يأخُذُ في الصَّدرِ كأنَّه يَكسِرُ العُنُقَ) [1846] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 299). .
وقال الكرمانيُّ: ( ((الموتانُ)) بضَمِّ الميمِ لُغةُ تَميمٍ، وأمَّا غَيرُهم فيَفتَحونَها، وهو الوَباءُ، وفي الأصلِ هو مَوتٌ يَقَعُ في الماشيةِ واستِعمالُه في الإنسانِ تَنبيهٌ على وُقوعِه فيهم وُقوعَه في الماشيةِ؛ فإنَّها تُسلَبُ سَلْبًا سَريعًا، وكانَ ذلك في طاعونِ عَمْواس زَمَنَ عُمرَ، مات مِنه سَبعونَ ألفًا في ثَلاثةِ أيَّامٍ، و((القُعَاصِ)) بضَمِّ القافِ وخِفَّةِ المُهمَلةِ وبالمُهمَلةِ: داءً يأخُذُ الغَنَمُ فلا يُلبِثُها أن تَموتَ، وقيلَ: هو الهلاكُ المُعَجَّلُ) [1847] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) (13/ 140). .
ومِن أقوالِ أهلِ العِلمِ في هَذِه العَلامةِ:
1- قال ابنُ تيميَّةَ: (آياتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَدِ استَوعَبَت جَميعَ أنواعِ الآياتِ الخَبَريَّةِ والفِعليَّةِ. وإخبارُه عَنِ الغَيبِ الماضي والحاضِرِ والمُستَقبَلِ بأمورٍ باهرةٍ، لا يوجَدُ مِثلُها لِأحَدٍ مِنَ النَّبيينَ قَبلَه، فضلًا عَن غَيرِ النَّبيِّينَ... ورَوى البُخاريِّ عَن عَوفِ بن مالِكٍ قال: ((أتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةِ تَبوكَ، وهو في قُبَّةٍ مِن أدَمٍ، فقال: اعدُدْ سِتًّا بينَ يَدَيِ السَّاعةِ: موتي، ثُمَّ فتحُ بَيتِ المَقدِسِ، ثُمَّ مَوتانٌ يأخُذُ فيكُم كَقُعاصِ الغَنَمِ ...))، قُلتُ: ففُتحَ بَيتُ المَقدِسِ بَعدَ موتِه في خِلافةِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ، ثُمَّ بَعدَ ذلك وقَعَ الطَّاعونُ العَظيمُ بالشَّامِ، طاعونُ عَمْواس في خِلافةِ عُمرَ أيضًا، ومات فيه مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وأبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ، وخَلقٌ كَثيرٌ، وكانَ ذلك أوَّلَ طاعونٍ وقَعَ في الإسلامِ، فكانَ ما أخبَرَ به؛ حَيثُ أخذَهم طاعونٌ كَقُعاصِ الغَنَمِ) [1848] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (6/ 80-87). .
2- قال ابنُ كَثيرٍ: (دَخَلَت سَنَةُ ثَماني عَشرة. المَشهورُ الَّذي عليه الجُمهورُ أنَّ طاعونَ عَمْواس كانَ بها، وقَد تَبَّعْنا قَولَ سَيفِ بنِ عُمرَ، وابنِ جَريرٍ في إيرادِه ذلك في السَّنةِ الَّتي قَبلَها، لَكِنَّا نَذكُرُ وفاةَ مَن مات في الطَّاعونِ في هَذِه السَّنَةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى... هَذا الطَّاعونُ مَنسوبٌ إلَى بُليدةٍ صَغيرةٍ يُقالُ لَها: عَمْواس. وهيَ بينَ القُدسِ والرَّملةِ؛ لِأنَّها كانَ أوَّلُ ما نَجمُ هَذا الدَّاءَ بها، ثُمَّ انتَشَرَ في الشَّامِ مِنها، فنُسِبَ إلَيها، فإنَّا لِلَّه وإنَّا إلَيه راجِعونَ. قال الواقِديُّ: تُوفِّي في عامِ طاعونِ عَمواس مِنَ المُسلِمينَ بالشَّامِ خَمسةٌ وعِشرونَ ألفًا، وقال غَيرُه: ثَلاثونَ ألفًا) [1849] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (10/68، 76). .
3- قال ابنُ حَجَرٍ: (يُقالُ إنَّ هَذِه الآيةَ يَعني المَوتانَ الَّذي يأخُذُ في النَّاسِ كَقُعاصِ الغَنَمِ ظَهَرَت في طاعونِ عَمْواس في خِلافةِ عُمرَ، وكانَ ذلك بَعدَ فتحِ بَيتِ المَقدِسِ... ووقَعَ في رِوايةٍ لِلحاكِمِ مِن طَريقِ الشَّعبيِّ عَن عَوفِ بن مالِكٍ في هَذا الحَديثِ أنَّ عَوفَ بنَ مالِكٍ قال لِمُعاذٍ في طاعونِ عَمْواس: إنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لي: اعدُدْ سِتًّا بينَ يَدَيِ السَّاعةِ، فقَد وقَعَ مِنهنَّ ثَلاثٌ، يَعني: موتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفتحَ بَيتِ المَقدِسِ، والطَّاعونَ. قال: وبَقيَ ثَلاثٌ، فقال لَه مُعاذٌ: إنَّ لِهَذا أهلًا [1850] أخرجه الحاكم (8303) وصَحَّحه على شرط الشيخين. [1851] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/278). .
4- قال البَرزنجيُّ: (هَذا وقَعَ في زَمَنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنه في طاعونِ عَمواس، وبَعدَ ذلك في طاعونِ الجارِفِ، وفي الطَّواعينِ والوَباءاتِ الواقِعةِ في أقطارِ الأرضِ)  [1852]يُنظر: ((الإشاعة لأشراط الساعة)) (ص: 120). .
5- قال ابنُ بازٍ مُعَلِّقًا على حَديثِ ((ثُمَّ مَوتانٌ يأخُذُ فيكُم كَقُعاصِ الغَنَمِ ...)): (هو الطَّاعونُ عَمْواس) [1853] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (3/ 31). .

انظر أيضا: