الموسوعة العقدية

المَبْحَثُ السَّادِسُ: من وظائِفِ الرُّسُلِ: إقامةُ الحُجَّةِ

قال اللهُ تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] .
قال جمالُ الدِّينِ الغزنوي: (في بَعثِ الرُّسُلِ إثباتُ الحُجَّةِ، وقَطعُ الحُجَّةِ للحُكمِ، وتحقيقُ ما وعد اللهُ عَزَّ وجَلَّ بالجَنَّةِ والنَّارِ؛ لأنَّهم لو لم يُبعَثوا لثبت للكُفَّارِ حُجَّةٌ في عدَمِ إيمانِهم، كما قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165] ) .
وقال علي القاري: (اعلَمْ أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا خلق الجَنَّةَ لأُوليائِه، والنَّارَ لأعدائِه، وليس في عُقولِ النَّاسِ إمكانُ مَعرِفةِ ما يَجِبُ عليهم عِلمًا وعَمَلًا إلَّا بتعليمِه سُبحانَه وتعالى كَرَمًا وفضلًا، ولا مناسَبةَ بين ما خُلِق من الترابِ ورَبِّ الأربابِ؛ فاقتضت حِكْمتُه أن يُرسِلَ رُسُلًا مُبَشِّرين ومُنْذِرين؛ لتحقيقِ السُّبُلِ) .
وقال ابنُ باز: (في بَعْثِهم إقامةُ الحُجَّةِ، وقَطعُ المَعذِرة؛ حتى لا يقولَ قائِلٌ: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ؛ فاللهُ سُبحانَه وتعالى بعث الرُّسُلَ إقامةً للحُجَّةِ، وقطعًا للمَعذِرةِ، وهدايةً للخَلقِ، وبيانًا للحَقِّ، وإرشادًا للعِبادِ إلى أسبابِ النجاةِ، وتحذيرًا لهم من أسبابِ الهلاكِ، عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فهم خيرُ النَّاسِ وأصلَحُ النَّاسِ، وأنفَعُ النَّاسِ للنَّاسِ) .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [غافر: 49-50] .
قال السَّعْديُّ: (قَالُوا لهم مُوَبِّخين ومُبَيِّنين أنَّ شفاعتَهم لا تنفَعُهم، ودعاءَهم لا يفيدُهم شيئًا: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ التي تبيَّنتُم بها الحَقَّ والصِّراطَ المستقيمَ، وما يُقَرِّبُ من اللهِ وما يُبَعِّدُ منه؟
قَالُوا بَلَى قد جاؤونا بالبيِّناتِ، وقامت علينا حُجَّةُ اللهِ البالغةُ، فظَلَمْنا وعانَدْنا الحَقَّ بعد ما تبَيَّن) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ)) .
وفي روايةٍ: ((وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ )) .
قال النووي: (ليس أحدٌ أحَبَّ إليه الإعذارُ من اللهِ تعالى، فالعُذرُ هنا بمعنى الإعذارِ والإنذارِ قبل أخْذِهم بالعقوبةِ؛ ولهذا بعث المُرْسَلينَ، كما قال سُبحانَه وتعالى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((أصول الدين)) (ص: 120).
  2. (2) يُنظر: ((ضوء المعالي على منظومة بدء الأمالي)) (ص: 70).
  3. (3) يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/104-106).
  4. (4) يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 739).
  5. (5) رواه مسلم (2760) مطولاً.
  6. (6) أخرجها مُطَوَّلًا البخاري (7416) واللَّفظُ له، ومسلم (1499) مِن حَديثِ المغيرة بن شعبة رَضِيَ اللهُ عنه.
  7. (7) يُنظر: ((شرح مسلم)) (10/ 132).