الموسوعة العقدية

الفرعُ الثالثُ: خصائِصُ موسى عليه السَّلامُ

1- أنَّه كليمُ اللهِ.
قال اللهُ تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] .
قال السمعانيُّ: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا إنما كلَّمه بنَفْسِه من غيرِ واسطةٍ ولا وَحيٍ، وفيه دليلٌ على من قال: إنَّ اللهَ خلق كلامًا في الشَّجَرةِ فسَمِعَه موسى؛ وذلك لأنَّه قال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا.
قال الفرَّاءُ وثَعلَبٌ: إنَّ العرَبَ تُسَمِّي ما توصَّل إلى الإنسانِ كلامًا بأيِّ طريقٍ وصل إليه، ولكِنْ لا تحَقِّقُه بالمصدَرِ، فإذا حُقِّقَ الكلامُ بالمصدَرِ لم تكنْ إلَّا حقيقةُ الكلامِ، وهذا كالإرادةِ، يقال: أراد فلانٌ إرادةً، فيَكونُ حقيقةَ الإرادةِ، ولا يقالُ: أراد الجِدارُ أن يَسقُطَ إرادةً، وإنما يقال: أراد الجدارُ، من غيرِ ذِكرِ المصدَرِ؛ لأنَّه مجازٌ، فلمَّا حَقَّق اللهُ كَلامَه موسى بالتكليمِ، عُرِفَ أنَّه حقيقةُ الكلامِ من غيرِ واسِطةٍ. قال ثعلبٌ: وهذا دليلٌ مِن قَولِ الفَرَّاءِ أنَّه ما كان يقولُ بخَلقِ القُرآنِ.
فإن قال قائِلٌ: بأيِّ شَيءٍ عَرَفَ موسى أنَّه كلامُ اللهِ؟ قيل: بتعريفِ اللهِ تعالى إيَّاه، وإنزالِ آيةٍ عرف موسى بتلك الآيةِ أنَّه كلامُ اللهِ تعالى، وهذا مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ أنَّه سمع كلامَ اللهِ حَقيقةً، بلا كيفٍ، وقال وائِلُ بنُ داودَ: معنى قَولِه: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا أي: مِرارًا، كلامًا بعد كلامٍ) [555] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (1/ 502). .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف: 143- 144] .
قال السَّعْديُّ: (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ أي: اختَرْتُك واجتَبَيتُك وفضَّلْتُك وخَصَصْتُك بفضائِلَ عظيمةٍ، ومناقِبَ جليلةٍ بِرِسَالَاتِي التي لا أجعَلُها ولا أخُصُّ بها إلَّا أفضَلَ الخَلْقِ وَبِكَلَامِي إيَّاك من غيرِ واسِطةٍ، وهذه فضيلةٌ اختَصَّ بها موسى الكليمُ، وعُرِف بها من بين إخوانِه من المُرْسَلين) [556] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 302). .
وقد ثبت تكليمُ اللهِ آدَمَ عليه السَّلامُ في كِتابِ اللهِ، في نحوِ قَولِه سُبحانَه: قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة: 33] . وقَولِه: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [البقرة: 35] . وقَولِه: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه: 117] . وما بعدها، وظاهِرُ هذا أنَّه كان كِفاحًا بغيرِ واسِطةِ المَلَكِ [557] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/154). .
قال ابنُ عَطِيَّةَ: (قد تأوَّل بعضُ النَّاسِ أنَّ تكليمَ آدَمَ كان في الجنَّةِ، فعلى هذا تبقى خاصِيَّةُ موسى) [558] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/338). .
وقد حمل بعضُهم قَولَه سُبحانَه في سورةِ النَّجمِ: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى على أنَّ اللهَ أوحى إلى مُحَمَّدٍ ليلةَ المِعراجِ كِفاحًا بلا واسِطةٍ، فيَكونُ تكليمًا، وحمله آخرونَ على أنَّ اللهَ أوحى إلى مُحَمَّدٍ بواسِطةِ جِبريلَ [559] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/20)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/186). .
قال ابنُ كثيرٍ في قَولِه سُبحانَه: مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ: (يعني موسى ومُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليهما وسلَّم، وكذلك آدَمُ) [560] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/670). .
فإن صحَّ تكليمُ اللهِ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المعراجِ فقد يُتأوَّلُ أنَّه وقع في السَّماءِ، فتبقى خاصِيَّةُ موسى عليه السَّلامُ أنَّه كَلَّمه رَبُّه في الأرضِ.
2- كونُه في السَّماءِ السَّادِسةِ.
عن مالِكِ بنِ صَعصَعةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال -كما في حديثِ المعراجِ الطَّويلِ-: ((ثُمَّ صَعِدَ بي حتَّى أتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قيلَ: مَن هذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: مَن معكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا به، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى... )) [561] أخرجه البخاري (3887) واللَّفظُ له، ومسلم (164). .
3- آتاه اللهُ عَزَّ وجَلَّ تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ أُرسِلَ بها إلى فِرعَونَ وقَومِه، فظهرت بهنَّ حُجَّتُه وقامت بيَّنَتُه.
قال اللهُ سُبحانَه: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء: 101] .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [النمل: 12] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يُخبِرُ تعالى أنَّه بعث موسى بتِسعِ آياتٍ بَيِّناتٍ، وهي الدَّلائِلُ القاطِعةُ على صِحَّةِ نبُوَّتِه وصِدْقِه فيما أخبر به عمَّن أرسله إلى فِرعَونَ، وهي: العصا، واليدُ، والسِّنينُ، والبَحرُ، والطُّوفانُ، والجرادُ، والقُمَّلُ، والضَّفادِعُ، والدَّمُ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ. قاله ابنُ عَبَّاسٍ.
وقال مُحَمَّدُ بنُ كَعبٍ: هي اليَدُ، والعصا، والخَمسُ في الأعرافِ، والطَّمسةُ والحَجَرُ.
وقال ابنُ عَبَّاسٍ أيضًا، ومجاهِدٌ، وعِكْرِمةُ والشَّعبيُّ، وقتادةُ: هي يَدُه، وعصاه، والسِّنينُ، ونَقصُ الثَّمَراتِ، والطُّوفانُ، والجَرادُ، والقُمَّلُ، والضَّفادِعُ، والدَّمُ. وهذا القَولُ ظاهِرٌ جَلِيٌّ حَسَنٌ قَوِيٌّ.
وجَعَل الحَسَنُ البَصريُّ «السِّنينَ ونَقْصَ الثَّمَراتِ» واحِدةً، وعنده أنَّ التاسِعةَ هي: تلَقُّفُ العصا ما يأفِكُونَ) [562] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 124). .

انظر أيضا: