الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الرابِعَ عَشَرَ: خَزَنةُ جَهنَّمَ وزبانِيَتُها

قال اللهُ تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حتَّى إِذَا جَاؤُوها فُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الزمر: 71] .
قال ابنُ جرير: (خَزَنَتُهَا قُوَّامُها) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ لهم خَزَنَتُها من الزَّبانِيَةِ -الذين هم غِلاظُ الأخلاقِ، شِدادُ القُوى- على وَجهِ التقريعِ والتوبيخِ والتنكيلِ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر: 49] .
قال ابنُ كثيرٍ: (سأَلوا الخَزَنةَ -وهم كالبوَّابِينَ وفي نسخةٍ: كالسَّجَّانينَ لأهلِ النَّارِ- أن يَدْعُوا لهم اللهَ أن يُخَفِّفَ عن الكافِرينَ ولو يومًا واحدًا من العذابِ) .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك: 8] .
قال النَّسَفيُّ: (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا مالِكٌ وأعوانُه مِنَ الزَّبانِيَةِ توبيخًا لهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ رسولٌ يخَوِّفُكم من هذا العَذابِ) .
وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصَلِّي، فجاء أبو جَهلٍ فقال: ألم أنْهَك عن هذا؟ ألم أنْهَك عن هذا؟ ألم أنْهَك عن هذا؟ فانصرف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فزَبَرَهُ ، فقال أبو جَهلٍ: إنَّك لتعلَمُ ما بها نادٍ أكثَر منِّي، فأنزل الله: فَلْيَدْعُ نَادِيَهْ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق: 17-18] ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: فواللهِ لو دعا نادِيَه لأخذَتْه زَبانِيَةُ اللهِ)) .
وفي روايةٍ: (أخذَتْه زبانيةُ العَذابِ مِن ساعَتِهـ) .
قال الجوهريُّ: (الزَّبانِيَةُ عند العرَبِ: الشُّرَطُ، وسُمِّيَ بذلك بعضُ المَلائِكةِ؛ لدَفْعِهم أهلَ النَّارِ إليها) .
وقال القُرطبيُّ: (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق: 18] أي: المَلائِكةَ الغِلاظَ الشِّدادَ... وقال قتادةُ: هم الشُّرَطُ في كلامِ العَرَبِ. وهو مأخوذٌ مِنَ الزَّبْنِ، وهو الدَّفعُ... وقيل: إنما سُمُّوا الزَّبانِيَةَ لأنَّهم يَعمَلون بأرجُلِهم كما يَعمَلون بأيديهم... وقيل: إنَّهم أعظَمُ المَلائِكةِ خَلْقًا، وأشَدُّهم بَطشًا، والعَرَبُ تُطلِقُ هذا الاسمَ على من اشتَدَّ بَطْشُهـ) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ أي: من مُقَدَّمِي الزَّبانيةِ، عَظيمٌ خَلْقُهم، غليظٌ خُلُقُهم) .
وقال السَّعْديُّ: (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ أي: خَزَنةَ جَهنَّمَ، لِأَخْذِه وعُقوبتِهـ) .
ومالِكٌ هو كَبيرُ خَزَنَتِها ومُقَدَّمُهم.
قال اللهُ تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف: 77] .
وعن سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رأيتُ اللَّيلةَ رَجُلينِ أتياني، قالا: الذي يوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازِنُ النَّارِ، وأنا جِبريلُ، وهذا ميكائيلُ )) .
قال ابنُ القَيِّمِ: (سمَّى تعالى خازنَ النَّارِ مالِكًا، وهو اسمٌ مُشتَقٌّ مِن المَلْكِ، وهو القُوَّةُ والشِّدَّةُ حيث تصَرَّفَت حروفُهـ) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 264).
  2. (2) يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 118).
  3. (3) يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 149).
  4. (4) يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 513).
  5. (5) أي: نَهَرَهُ. يُنظر: ((شرح مسلم)) (4/ 162).
  6. (6) أخرجه الترمذي (3349) واللفظ له، وأحمد (2321) صَحَّحه الترمذي، والوادعي على شرط البخاري في ((الصحيح المسند)) (675)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (3809)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3349)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/92)، وقواه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (2321). وأصل الحديث في صحيح البخاري (4958) عن عكرمة قال ابن عباس: (قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو فعله لأخذته الملائكة)
  7. (7) أخرجه الطبري في ((التفسير)) (24/525)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (379). صحَّح إسنادَه على شرط مسلم: الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (275).
  8. (8) يُنظر: ((الصحاح)) (5/ 2130).
  9. (9) يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (20/ 126).
  10. (10) يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 268).
  11. (11) يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 930).
  12. (12) أخرجه البخاري (3236).
  13. (13) يُنظر: ((حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)) (ص: 109).