موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


ليس من التَّقليدِ:
التَّقليدُ هو اعتقادُ الشَّيءِ لأنَّ فُلانًا قاله، ممَّن لم يَقُمْ على صِحَّةِ قَولِه برهانٌ، وأمَّا اتِّباعُ مَن أمَر اللهُ باتِّباعِه فليس تقليدًا [1964] ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (1/ 40). .
ومن ذلك متابعةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد أمَر اللهُ تعالى بمتابعتِه وطاعتِه، وجاءت النُّصوصُ الكثيرةُ تدعو إلى ذلك، ومن ذلك قَولُه تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] ، وقَولُه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] ، وقَولُه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف: 3] ، والمرادُ بـ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ هو القرآنُ والسُّنَّةُ المُبَيِّنةُ له. وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة: 92] . والآياتُ في وجوبِ اتِّباعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كثيرةٌ.
ومن ذلك أيضًا اتِّباعُ الإجماعِ ومُوافقةُ الجَماعةِ. الإجماعُ من سبيلِ المُؤمِنين، وقد قال اللهُ تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115] .
وقال ابنُ الصَّلاحِ: (من خالَف إجماعَ المُسلِمين فعليه ما في قَولِه تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115] ) [1965] ((أدب المفتي والمستفتي)) (2/500). .
مَن الإمَّعةُ؟
الإِمَّعةُ والإِمَّعُ -بكَسرِ الهمزةِ وتشديدِ الميمِ-: الذي لا رأيَ له ولا عَزْمَ، فهو يتابِعُ كُلَّ أحَدٍ على رأيِه، ولا يَثبُتُ على شيءٍ، والهاءُ فيه للمُبالغةِ، ولا نظيرَ له إلَّا رجُلٌ إِمَّرٌ، وهو: الأحمَقُ. قال الأزهَريُّ: وكذلك الإِمَّرَةُ، وهو الذي يوافِقُ كُلَّ إنسانٍ على ما يُريدُه [1966] ((لسان العرب)) لابن منظور (8/340)، وانظُر: ((الصحاح)) للجوهري (3/1183)، ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (4/50). .
وقال الزَّمخشَريُّ: (الإمَّعةُ: الذي يَتبَعُ كُلَّ ناعِقٍ، ويقولُ لكُلِّ أحَدٍ: أنا معك؛ لأنَّه لا رأيَ له يرجِعُ إليه) [1967] ((الفائق)) للزمخشري (1/57). .
وقال ابنُ الأثيرِ: (الإمَّعةُ: الذي لا رأيَ له، فهو يتابِعُ كُلَّ أحدٍ على رأيِه، وقيل: هو الذي يقولُ لكُلِّ أحَدٍ: أنا معك) [1968] ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/67). .
ولعُ المغلوبِ بالاقتداءِ بالغالِبِ
قال ابنُ خَلدونَ: (المغلوبُ مُولَعٌ أبَدًا بالاقتداءِ بالغالِبِ في شِعارِه وزِيِّه ونِحلتِه، وسائِرِ أحوالِه وعوائِدِه. والسَّبَبُ في ذلك: أنَّ النَّفسَ أبدًا تعتَقِدَ الكمالَ فيمَن غَلَبها وانقادت إليه؛ إمَّا لنَظَرِه بالكمالِ بما وقَر عندَها من تعظيمِه، أو لِما تُغالِطُ به مِن أنَّ انقيادَها ليس لغَلَبٍ طبيعيٍّ، إنَّما هو لكمالِ الغالِبِ، فإذا غالطَت بذلك واتَّصَل لها حَصل اعتقادًا، فانتحَلَت جميعَ مذاهِبِ الغالِبِ وتشبَّهت به، وذلك هو الاقتِداءُ، أو لِما تراه -واللهُ أعلَمُ- من أنَّ غَلَبَ الغالبِ لها ليس بعصبيَّةٍ ولا قوَّةِ بأسٍ، وإنَّما هو بما انتحَلَتْه من العوائِدِ والمذاهبِ، تُغالطُ أيضًا بذلك عن الغَلَبِ! وهذا راجِعٌ للأوَّلِ؛ ولذلك ترى المغلوبَ يتشَبَّهُ أبدًا بالغالِبِ في مَلبَسِه ومَركَبِه وسلاحِه في اتخاذِها وأشكالِها، بل وفي سائِرِ أحوالِه، وانظُرْ ذلك في الأبناءِ مع آبائِهم، كيف تجِدُهم متشَبِّهين بهم دائمًا، وما ذلك إلَّا لاعتقادِهم الكَمالَ فيهم، وانظُرْ إلى كُلِّ قُطرٍ من الأقطارِ كيف يَغلِبُ على أهلِه زِيُّ الحاميةِ وجُندِ السُّلطانِ في الأكثَرِ؛ لأنَّهم الغالِبون لهم، حتَّى إنَّه إذا كانت أُمَّةٌ تُجاوِرُ أُخرى ولها الغَلَبُ عليها، فيَسري إليهم مِن هذا التَّشبُّهِ والاقتداءِ حَظٌّ كبيرٌ، كما هو في الأندَلُسِ لهذا العَهدِ مع أُمَمِ الجلالِقةِ؛ فإنَّك تجِدُهم يتَشَبَّهون بهم في ملابِسِهم وشاراتِهم والكثيرِ من عوائِدِهم وأحوالِهم، حتَّى في رَسمِ التَّماثيلِ في الجُدرانِ والمصانعِ والبيوتِ! حتَّى لقد يَستشعِرُ من ذلك النَّاظِرُ بعَينِ الحِكمةِ أنَّه مِن علاماتِ الاستيلاءِ، والأمرُ للهِ!) [1969] ((المقدمة)) (ص: 505). .

انظر أيضا: