موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: ألَّا يَتَرَتَّبَ عليها ضَرَرٌ أو مُخالَفةٌ لحَقٍّ أو مُنافاةٌ لمَصلَحةٍ عامَّةٍ


مِن أدَبِ الشَّفاعةِ: ألَّا يَتَرَتَّبَ عليها ضَرَرٌ، أو مُخالَفةٌ للحَقِّ والعَدلِ، أو مُنافاةٌ للمَصلَحةِ العامَّةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ-مِنَ الكِتابِ
1- مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [16] قال ابنُ تَيميَّةَ: (قال تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء: 85] ، والشَّافِعُ: الذي يُعينُ غَيرَه فيَصيرُ مَعَه شَفعًا بَعدَ أن كان وِترًا؛ ولِهذا فُسِّرَتِ الشَّفاعةُ الحَسَنةُ بإعانةِ المُؤمِنينَ على الجِهادِ، والشَّفاعةُ السَّيِّئةُ بإعانةِ الكُفَّارِ على قِتالِ المُؤمِنينَ، كما ذَكَرَ ذلك ابنُ جَريرٍ وأبو سُلَيمانَ. وفُسِّرَتِ الشَّفاعةُ الحَسَنةُ بشَفاعةِ الإنسانِ للإنسانِ ليَجتَلِبَ له نَفعًا أو يُخَلِّصَه مِن بَلاءٍ، كما قال الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وقتادةُ، وابنُ زَيدٍ. فالشَّفاعةُ الحَسَنةُ إعانةٌ على خَيرٍ يُحِبُّه اللهُ ورَسولُه؛ مِن نَفعِ مَن يَستَحِقُّ النَّفعَ، ودَفعِ الضُّرِّ عَمَّن يَستَحِقُّ دَفعَ الضَّرَرِ عنه. والشَّفاعةُ السَّيِّئةُ إعانَتُه على ما يَكرَهُه اللهُ ورَسولُه، كالشَّفاعةِ التي فيها ظُلمُ الإنسانِ، أو مَنعُ الإحسانِ الذي يَستَحِقُّه. وفُسِّرَتِ الشَّفاعةُ الحَسَنةُ: بالدُّعاءِ للمُؤمِنينَ، والسَّيِّئةُ: بالدُّعاءِ عليهم، وفُسِّرَتِ الشَّفاعةُ الحَسَنةُ بالإصلاحِ بَينَ اثنَينِ. وكُلُّ هذا صحيحٌ؛ فالشَّافِعُ زَوجُ المَشفوعِ له؛ إذِ المَشفوعُ عِندَه مِنَ الخَلقِ إمَّا أن يُعينَه على برٍّ وتَقوى، وإمَّا أن يُعينَه على إثمٍ وعُدوانٍ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أتاه طالِبُ حاجةٍ قال لأصحابِه: «اشفَعوا تُؤجَروا، ويَقضي اللهُ على لسانِ نَبيِّه ما شاءَ» [أخرجه البخاري (1432) واللَّفظُ له، ومسلم (2627) من حديثِ أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه]). ((مجموع الفتاوى)) (7/ 64، 65). وينظر: ((جامع البيان)) للطبري (7/ 268)، ((المفردات)) للراغب (ص: 458). [النساء: 85] .
قال رَشيد رِضا: (العُلَماءُ مُتَّفِقونَ على أنَّ شَفاعةَ النَّاسِ بَعضِهم لبَعضٍ تَدخُلُ في عُمومِ الآيةِ، وأنَّها قِسمانِ: حَسَنةٌ وسَيِّئةٌ؛ فالحَسَنةُ أن يَشفعَ الشَّافِعُ لإزالةِ ضَرَرٍ، ورَفعِ مَظلَمةٍ عن مَظلومٍ، أو جَرِّ مَنفَعةٍ إلى مُستَحِقٍّ ليسَ في جَرِّها إليه ضَرَرٌ ولا ضِرارٌ، والسَّيِّئةُ أن يَشفَعَ في إسقاطِ حَدٍّ، أو هَضمِ حَقٍّ، أو إعطائِه لغَيرِ مُستَحِقٍّ، أو مُحاباةٍ في عَمَلٍ بما يَجُرُّ إلى الخَلَلِ والزَّلَلِ، والضَّابِطُ العامُّ أنَّ الشَّفاعةَ الحَسَنةَ هيَ ما كانت فيما استَحسَنَه الشَّرعُ، والسَّيِّئةُ فيما كَرِهَه أو حَرَّمَه.
ومِنَ العِبرةِ في الآيةِ أن نَتَذَكَّرَ بها أنَّ الحاكِمَ العادِلَ لا تَنفعُ الشَّفاعةُ عِندَه إلَّا بإعلامِه ما لم يَكُنْ يَعلَمُ مِن مَظلَمةِ المَشفوعِ له، أوِ استِحقاقِه لِما يُطلَبُ له، ولا يَقبَلُ الشَّفاعةَ لأجلِ إرضاءِ الشَّافِعِ فيما يُخالِفُ الحَقَّ والعَدلَ ويُنافي المَصلَحةَ العامَّةَ، وأمَّا الحاكِمُ المُستَبِدُّ الظَّالِمُ فهو الذي تَروجُ عِندَه الشَّفاعاتُ؛ لأنَّه يُحابي أعوانَه المُقَرَّبينَ مِنه ليَكونوا شُرَكاءَ له في استِبدادِه، فيَثِقُ بثَباتِهم على خِدمَتِه وإخلاصِهم له، وما الذِّئابُ الضَّاريةُ بأفتَكَ في الغَنَمِ مِن فَتكِ الشَّفاعاتِ في إفسادِ الحُكوماتِ والدُّوَلِ؛ فإنَّ الحُكومةَ التي تَروجُ فيها الشَّفاعاتُ يَعتَمِدُ التَّابِعونَ لها على الشَّفاعةِ في كُلِّ ما يَطلُبونَ مِنها لا على الحَقِّ والعَدلِ، فتَضيعُ فيها الحُقوقُ، ويَحُلُّ الظُّلمُ مَحَلَّ العَدلِ، ويَسري ذلك مِنَ الدَّولةِ إلى الأُمَّةِ، فيَكونُ الفسادُ عامًّا) [17] ((تفسير القرآن الحكيم)) (5/ 251). .
2- قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2] .
ب-مِنَ السُّنَّةِ
1- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)) [18] أخرجه ابن ماجه (2340)، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (22778) مِن حَديثِ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/211)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (2340)، وحسَّنه النووي في ((الأذكار)) (502)، وقال الشوكاني في ((الدراري المضية)) (285): مَشهورٌ. .
2- عن أبي صِرمةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن ضارَّ أضَرَّ اللَّهُ به، ومَن شاقَّ شاقَّ اللَّهُ عليهـ)) [19] أخرجه أبو داود (3635) واللفظ له، والترمذي (1940)، وابن ماجه (2342). حسَّنه ابن تيمية في ((بيان الدليل)) (608)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3635). .

انظر أيضا: